صدى الشعب – كتب د. سمير أبومغلي
مائة وواحد و سبعون شهيدا من الصحفيين حصيلة الاعتداءات الاسرائيلية الممنهجة على الصحفيين في قطاع غزة خلال العدوان على القطاع ادراكا منها بالدور الكبير الذي تلعبه الصحافة في توجيه الرأي العام وبهدف منعهم من نقل اخبار ومشاهد المجازر التي يرتكبها الاحتلال الى العالم .
ومع ذلك يصر الصحافيون الشجعان على مواجهة المخاطر لتوفير التقارير والأخبار الرئيسية متسلحين بالرسالة النبيلة التي نذروا انفسهم لاجلها.
على الرغم من شجاعتهم تلك ومهنيتهم والتزامهم الاخلاقي والمعركة الجريئة التي يخوضونها من اجل نقل الخبر والصورة إلّا أنّ هناك اثرا مؤلما يتركه كل خبر او صوره نسمعها او نشاهدها على نفسية هؤلاء الشجعان فالصحافة بنظرهم ليست مجرّد توثيق الوقائع، بل هي معركة شرسة يخوضونها في سبيل العدالة و نقل الحقيقة.
هل لاحظ احدنا يوماً شظايا الأضرار التي تتسلّل إلى أرواحهم؟ وهل سألنا أنفسنا ماذا عن صحّتهم النفسية؟
ثمّة مقولة تعتبر انّ “الصحافة هي المرآة التي نرى بها العالم من حولنا”، و هذا بالتأكيد صحيح، ومع ذلك، فإنّ المرآة هذه قد تكون مشوّهة أحياناًو تعكس تجربة الصحفيين الشخصية وصراعاتهم الداخلية. فعلى مدار ساعات عملهم الطويلة وعند تعرّضهم للضغوط النفسية المستمرّة، يجدون أنفسهم ضحايا مشاكل الصحّة النفسية التي قد تهدّدعافيتهم الشخصية ومهنتهم.
ليس سهلاً أن تكون صحافياً في زمن تجتاح فيه الأحداث العالم بشتّى أشكالها وتغيراتها المتسارعة، فالصحفيون يعيشون حياة تحكمها المواعيد الصارمة وضغوط العمل المستمرّة، فهم يجدون أنفسهم في قلب العواصف وبين خطوط النار في الأزمات والصراعات، خاصّةً في تغطية الحروب الدامية، ونقل القصص المأساوية، عدا التهديدات والعنف أثناء التغطيات المباشرة، ولا ننسى تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعيّ الذي يتطلّب منهم تواجدا دائما على “الإنترنت” وملاحقة الأخبار الحيّة على مدار الساعة، بالإضافة إلى الانتقادات القاسية التي قد يتعرّضون لها احيانا من الجمهور أو المسؤولين، مما يضيف أعباء إضافية على صحّتهم النفسية.
في ظلّ هذه الظروف يتعرّض الصحفيّون لتأثيرات تجعلهم في خطر صحّي بدني وحالات نفسية سلبية كالقلق المستمرّ، الشعور بالانزعاج، الغضب، الاكتئاب، الإرهاق المزمن، وخفض الرغبة في العمل، ويشعرون بالخوف والتوتر الشديد، والصدمات النفسية واضطراب ما بعد الصدمة، وتنخفض قدراتهم في التعامل مع الضغوط اليومية.
لقد أكّدت دراسات عدّة أنّ القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة ، تُعدّ اشكالا من التأثيرات الشّائعة على الصحّة البدنية والعقلية في أوساط الصحفيين. وعلى الرغم من اعتقاد البعض بان الصدمة تؤثر حصراً على الصحفيّ الذي يتعامل مع الأحداث المروّعة بشكل مباشر، كالمراسل المتواجد في بؤر الصراع والكوارث ولكنها في الحقيقة،تؤثر حتّى على من يجلس طوال الوقت في غرفة الأخبار ، وحسب الجمعيّة الطبّيّة البريطانيّة فهنالك ما يُسمّى الصدمة غير مباشرة الناتجة عن التعاطف مع الناجيين من الصدمات، و التعامل اليوميّ مع القصص المأساوية، حتّى وإن كان من وراء الشاشات وعبر الكتابة والتوثيق. ولذلك كان لابد من ان يتعلم الصحفيون كيف يتعاملون مع حالتهم النفسية والعوامل المؤثرة عليها .
هناك العديد من النصائح التي تساهم في تعزيز الصحّة النفسية للصحفيين، منها أن يدرك الصحفيّ أنّ هذه الأزمات والظروف التي يعمل خلالها لن تستمرّ إلى الأبد، وأن يتعلّم كيفية التعامل مع ضغوط العمل وإدارة الوقت بشكل جيّد وتحديد الأولوية وتنظيم المهام، ولا بدّ من التفكير في استراحة عقلية وبدنية من خلال تخصيص وقت للراحة والاسترخاء مثل ممارسة التأمّل واليوغا والرياضة، وتجنّب العمل المفرط، وتحمّل العبء بأكثر ممّا يمكن تحمّله، ومشاركة تجربة العمل مع الزملاء للحدّ من أثر الصدمة، وتواجده دوماً بين الناس والأصدقاء الإيجابيّين، وتجنّب العزلة، والحفاظ على التوازن بين الحياة المهنيّة والشخصيّة، وتبنّي نمط حياة صحّيّ، والحصول على قدر كاف من النوم والراحة، والأهمّ من ذلك، عدم التردّد في طلب المساعدة إذا شعر بالضغط النفسيّ، من خلال متخصّص الصحّة النفسية أو الدعم المجتمعيّ المُتاح.
ولاشك بان للمؤسّسات الإعلامية دوراً محوريّاً في تعزيز دعم الصحّة النفسيّة للصحفيّين العاملين لديها، إذ يجب اعتبار الدعم النفسيّ من الإجراءات الضرورية التي تقدم للصحفيين و تعادل ارتداء الخوذة والسترة الواقية ، وذلك من خلال توفيرها بيئة عمل صحّية ومرنة لهم، وتقديم الدعم النفسيّ والاجتماعيّ ، واعتماد برامج و نشاطات ترفيهية وتثقيفية وتوعوية حول أهمية الصحّة النفسيّة وكيفية التعامل والتحكّم بالضغوطات الناجمة عن العمل، بالإضافة إلى ذلك، توفير خدمات استشاريّة نفسيّة بشكل دوريّ.
تعتبر الصحافة ركيزة أساسيّة في تشكيل وجهة نظر المجتمعات، ومن الضروريّ أن تعتني المؤسسات الصحفية بصحّة الصحفيّ النفسية وتضعها ضمن اولوياتها. فالصحفي المبدع يجب ان يحقق التوازن بين قدرته الابداعية وصحته النفسية .