كتب. بشار الجرار
يبدو أنها من مخلفات الماضي الجميل الذي يتباكى عليه بعض القوم. فالدين صار متاحا والعتب صار محظورا. حتى المنسف صار بالإمكان بيعه بالتقسيط لذوي الهمم الذين لا تحول الأولويات الاقتصادية والمحددات المالية دون بقائهم أهل جود وكرم
ما للناس وللدهشة، وقد استساغوا من قبل تعبئة «الشراب» بكاسات بلاستك أو كرتون، بعد أن كان يشرّب الجميد تشريبا كل تشريبة بدعوة المعزّب للضيفان الأجاويد بأن «افلحوا».. لا حرج في الاستدانة من أجل الواجب، فما من مقتلة لذوي المروءة والشهامة -للأصايل الكرام- من ضيق ذات اليد، عن تقديم يد العون والزاد للناس كافة، لا الضيف وحده
ما من خصلة عرفت بها العرب أكثر من الكرم وكانت دائمة الارتباط بالشجاعة. لا يعيبنّ الرجال إلا البخل والجبن، منذ عدنان وقحطان إلى الآن. اللهم أعنّا على البقاء كرماء شجعان الآن وكل أوان
لكن الزمان غير الزمان.. ومن الفروسية، القوة لا الشجاعة وحدها. ولا قوة تحدث فارقا دون حكمة، وإلا كانت آثار الزوابع والعواصف بناء وعمارا، لا دمارا وخرابا
نحن الآن في رمضان المبارك. نحن مسلمين ومسيحيين في مدرسة الصوم. والصوم كما أراده رب العالمين زاده الزهد وكماله التقوى. فلنتق الله في أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا ووطننا. نعم هذه قضية كبرى تستحق أكثر من النكات التي بلغت حد التنمر في بعض الحسابات
مرحى وطوبى لهذه المروءة. من يقترض للقيام بواجب ذات رحم من أنبل الناس وأتقاها. كثير منهم -وقد عشت في كنفهم وأدين لهم بحياتي- «يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» كما جاء في الذكر الحكيم
لكن العشم في المدعوات والمدعوين إن لمحوا ضيق يد أن يرحموها ويستروها. كأن يقسموا ويغلّظوا الأيمان بأن يكون الجود من الموجود.. كأن تعتمد آليات قديمة ثبتت فيها البركة، كالجمعيات بين الأسر والأصدقاء والجيران. كأن تكون «العزومة» تشاركية، بحيث يشارك المدعوون بأطباق تخفف الحمل ما أمكن على المعزّب. كأن تكون «العزيمة» -وهي في الأصل كلمة مشتقة من «العزم» بمعنى الإرادة والقوة- أن تكون وقت السحور لا الفطور ولذلك حديث آخر قد يكون غدا، ما لم يداهمنا ما يستوجب التقديم!