عبدالرحمن البلاونه
على الرغم من أن مصطلح “المسافة صفر” موجود ومتداول منذ فترة طويلة، إلا أنه لم يكن معروفا على نطاق واسع، فما يعرفه البعض، ان المسافة صفر هي اسم لفيلم روائي، أو برنامج تلفزيوني، أو اسم لكتاب، أو عنوان لمقال، فهذا المصطلح لم يلقى الشهرة والرواج التي حصل عليها إلا بعد أن استخدمه مغاوير المقاومة في غزة، بطريقة عملية، أثناء تصديهم للعدوان الهمجي البري والبربري، الذي تشنه قوات الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، منذ بدء معركة طوفان الأقصى، فهذه الاستراتيجية تعتبر المستوى الثالث من الحروب و الاشتباكات داخل المدن.
فالمسافة صفر، هي القدرة على المواجهة من أقرب نقطة للعدو، وبالمعنى الحقيقي، أننا لم ندرك حقيقة ذلك إلا بعد ما شاهدنا ذلك بأم أعيننا، عندما جعل المقاوم القسامي للصفر معنى وقيمة، وتمثل في مواجهته للآليات العسكرية، وخاصة الدبابة الصهيونية، العملاقة ” الميركافا “، التي تتميز بمواصفات تكنولوجية فائقة، ومزودة برادارات وأنظمة دفاعية نشطة، و مزودة بأكثر من مرحلة حماية من الصواريخ، وتتلقى الأوامر من خلال الحاسوب، لتدمير القذائف الموجهة للدبابة كمنظومة ” تروفي” ومنظومة ” كاسر الريح ” المخصصة لاعتراض الصواريخ، بعمليات نوعية، بكل جرأة وشجاعة، ومشياً على الأقدام، ليضع القنبلة بداخلها، أو أسفلها ليدمرها، أو يقوم بتفجيرها بقذيفة عن بعد أمتار معدودة، دون تردد أو خوف، ودون أن يرمش له جفن، في مشهد يحبس الأنفاس، ومع ذلك يقوم المقاوم بذكر الله، ويُقبل على فريسته واثقاً بنصر الله، ويضرب قذيفته باسم الله، فيغشيهم ويعطل راداراتهم، ويعطب دباباتهم، ويمزق جنودهم أشلاءً بأمر الله وبعونه.
لقد أصبح للمسافة صفر رونقاً ونكهة فريدة من نوعها، بعد أن طبقها الأشاوس في ميدان المعركة، فما يقوم به المقاومون، لم يجرؤ على القيام به جنود نظاميون، وهو مدعاة للفخر والاعتزاز، ويجب أن يُدرس بالمدارس الحربية والكليات العسكرية.
فمن يقوم بتلك العمليات ليسوا أشخاصاً عاديين، بل رجال تفوق رجولتهم و قدراتهم قدرة جيوش، لا تظهر بطولاتهم إلا بالاستعراضات العسكرية، فهم مغاوير، وأسود يذودون عن أرضهم وعرضهم، ومقدساتهم، برجولة وكبرياء، ينوبون عن أمة بأسرها، ويقاومون الصهاينة المعتدين، بكل ما يملكون من قوة وإرادة وايمان وعزيمة، يتمتعون بمعنويات عالية وإيمان مطلق بالله، رغم خذلان الأشقاء، وقلة الإمكانات، إلا أنهم يؤمنون بالله، ويؤمنون بقضيتهم العادلة التي تدفعهم للتضحية بأنفسهم وبأرواحهم في سبيلها، ودفاعاً عن أرضهم ومقدساتهم ومسرى نبيهم الكريم، ومطلبهم الوحيد، النصر أو الشهادة