التعليم عن بعد.. مخاوف وآمال

التصريح الذي أطلقه معالي وزير التربية والتعليم وتحدث فيه عن التعليم عن بعد باعتباره ضرورة تحولت الى مطلب تصريح مهم يحتاج الى سياسات وإجراءات وتفكير وخطط جديدة. قد أتفق مع ما ذهب إليه الوزير، فهذا النمط من التعليم جاء منسجما مع حجم انتشار التكنولوجيا والبرمجيات وقدرة الصغار على استخدام تطبيقات متعددة وشغف الجيل بالتكنولوجيا واستخداماتها وإدمان البعض منهم على ذلك.
منذ أشهر ونحن نتحدث عن أهمية التحول الى استخدام التكنولوجيا في التعليم والتواصل والبحث، ومنذ أشهر والجدل محتدم بين الأهالي والمدارس وبين الوزارة والناقدين حول جدوى التعليم وكفاءة استخدامه ومستوى التفاعل المرصود مع ما يجري تقديمه. حتى اليوم هناك الكثير من الأسئلة والعديد من الآراء والتقارير ومؤشرات كمية ومقارنات لمستويات التفاعل والفعالية والجدوى سوى ما نشر عن نسب الحضور ومستوى الالتزام وبعض المعوقات المرتبطة بامتلاك الوسائل والإمكانات التي تتيح للطلبة الوصول الى المنصات واستخدامها.
بالرغم من مرور أشهر على تطبيق هذا النمط من التعليم وإخضاع المدارس والطلبة لاختبارات قياس الأداء عن بعد وظهور نتائج ثانوية عامة بمعدلات غير مسبوقة، إلا أن القضايا المرتبطة بالتفاعل الصفي ومتعة العرض والتقديم وتنوع الأساليب والطرق ومواقف الطلبة مما يعرض عليهم وتدخل الأمهات والآباء والأسرة في العملية التعليمية وانعكاسات كل ذلك على شخصية الطالب ونظرته لنفسه وعلاقاته مع الآخرين ما تزال موضعا للتساؤل والتخمين.
في الوقت الذي شعر فيه الطلبة بالتحرر الجزئي من روتين الصحيان المبكر والتحضير والالتزام بجداول الحضور وشروط الانضباط والتفاعل في وسط رفاقي يمكن التلميذ من التعرف والمقارنة والاستكشاف ويوفر له فرص التفاعل واختبار الذات والحركة الدائمة والانفعال، أصبح التلاميذ في مواجهة دائمة مع شاشات الوسائل التي يستخدمونها وأصوات المدرسين الذين يحاولون تقديم ما لديهم لأشخاص يطلون عليهم عبر شبكات يتحكم الطرفان في إدامة التواصل أو إيقافه وبمواقف تتجرد من الحضور والانفعال والحيوية الطافحة للصفوف التي افتقدوها.
بالعودة الى تصريح الوزير حول تحول هذا النمط من التعليم لمطلب، فإنني أقترح على وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي العمل معا على توسيع دائرة البحث والتقييم والابتكار وتشجيع الكليات والمعاهد الجامعية على البحث والمراجعة الهادفة لتطوير هذا النمط التعليمي والوصول به الى أقصى درجات الفعالية والفائدة والمتعة. من المهم تخصيص مبالغ أكبر من موازنة التربية لإطلاق برامج على مستوى الأقاليم والمحافظات تتولى التدريب والتطوير والإغناء للطرق والأساليب وإثراء المحتوى وتلافي المشكلات والعوائق والملاحظات التي أبداها الطلبة والأهالي والمعلمون.
في غالبية الجامعات الأردنية المنتشرة على مساحة البلاد كليات للتربية تحوي مئات البرامج التربوية وآلاف الأساتذة والباحثين. من غير المفيد أو المجدي أن يبقى التعليم عن بعد الذي أصبح ممارسة اعتيادية موضوعا من عشرات المواضيع التي تتطرق لها البرامج التربوية على استحياء. لا بد أن ننتقل وبسرعة كبيرة الى إحداث تخصصات وتوجيه الأبحاث والدراسات وتقديم البرامج التي تطور إمكانات العاملين في الحقل التربوي وتجيب عن أسئلة الطلبة والأهالي وتبتدع حلولا وإجابات تطمينية الى كل المخاوف وأسباب القلق الذي يساور الأهالي والطلبة على مستقبلهم.
السمنة التي يعاني منها الأطفال وفقدانهم متعة اللعب والاتصال الوجاهي مع الأقران ومخاوف الكثير من الآباء من حقيقة أن الأبناء يتغيرون في بيئة تفتقر الى التواصل والتفاعل الضروري للتوازن الانفعالي والتقييم الواقعي للذات، جميعها مخاطر تحتاج الى حلول وإجابات وبرامج.

أخبار أخرى