كتب : سليمان أبو خرمة
في زمن تغرق فيه الساحة الدولية بلغة الأزمات والأرقام والتقارير التقنية، يأتي خطاب مثل الذي قدّمته صاحبة السمو الملكي الأميرة نور بنت عاصم في مكتب الأمم المتحدة في جنيف ليعيد طرح سؤال جوهري هل ما زال الإنسان حاضرًا في قلب العمل الدبلوماسي.
واللافت في حديث الأميرة ليس فقط محتواه، بل توقيته وزاويته، فالعالم يمرّ بمرحلة يمكن وصفها بأنها الأكثر توترًا منذ عقود صراعات ممتدة، واقتصاد متقلب، وذكاء اصطناعي يغيّر ملامح الحياة، وضغوط نفسية تعصف بالمجتمعات والقادة على حد سواء.
ووسط هذا المشهد، اختارت الأميرة نور أن تذهب إلى الجذر الإنسان نفسه.
وفي الاجتماعات الأممية عادة، يهيمن الخطاب السياسي والإداري من أطر، وقوانين، وبيانات، وأرقام، لكن سموها قدّمت خطابًا يضع الوعي والحضور الإنساني في الصدارة، بدعوة صريحة إلى التوقف حرفيًا والتأمل والتنفس.
وبعضهم قد يراه طرحًا روحانيًا، لكنه في الحقيقة طرح سياسي بامتياز؛ لأن السياسات لا تُبنى في الفراغ، بل على قدرة الإنسان على اتخاذ القرار في ظل ضغوط متصاعدة.
وأحد أهم محاور الخطاب كان التنبيه إلى أن سرعة تغيّر العالم تفوق قدرة الجهاز العصبي البشري على التكيف، وهذه ليست جملة بلاغية، بل حقيقة تؤكدها دراسات عالمية حول الصحة النفسية واحتراق القيادات وارتفاع معدلات القلق.
وهنا تكمن أهمية حديثها إنه ينقل النقاش من الملفات الكبرى إلى من يدير هذه الملفات، ومن الأزمات العالمية إلى الوعي الذي يواجه هذه الأزمات.
عندما قالت سموها إن الحضور الذهني يشكّل الدبلوماسية والحوكمة، فهي لم تتحدث عن رفاهية شخصية، بل عن مفهوم جديد للدبلوماسية نفسها، الدبلوماسية القائمة على القيم والوعي والاتصال الإنساني، لا على البروتوكولات وحدها.
وهذا الطرح يتقاطع مع الاتجاهات الحديثة في العلاقات الدولية التي ترى أن “الذكاء العاطفي” أصبح عنصر قوة سياسية، لا مهارة شخصية فقط.
ولأن الأردن بقيادته وموقعه السياسي والإنساني يقدم صورة مختلفة، قيادة ترى الإنسان قبل السياسة،.





