صدى الشعب – كتب أ.د.ليث كمال نصراوين
تقدمت اليوم حكومة الدكتور جعفر حسان ببيانها الوزاري إلى مجلس النواب وفق أحكام الدستور، الذي يشترط على كل وزارة جديدة تؤَّلف أن تقدم بياناً وزارياً إلى المجلس المنتخب تعرض فيه خطة عملها والبرامج التي ستسعى إلى تحقيقها خلال فترة وجودها في السلطة التنفيذية، ومن ثم يقوم أعضاء مجلس النواب بمناقشة ما جاء في هذا البيان والتصويت عليه بالثقة من عدمها.
إن أبرز الأحكام الدستورية الناظمة للبيان الوزاري تتمثل بالجهة التي يجري تقديمها إليه؛ فعلى الرغم من أن مجلس الأمة يتألف من مجلسي الأعيان والنواب، إلا أن المشرع الدستوري كان حريصاً على أن يكون تقديم البيان الوزاري إلى مجلس النواب وحده دون الأعيان، وأن يقتصر النقاش والتصويت على الثقة به على الأعضاء المنتخبين، وذلك تكريساً لمبدأ الحكم النيابي الذي قررته المادة الأولى من الدستور.
فمجلس الأعيان معين من قبل الملك وكذلك رئيس الوزراء والوزراء، بالتالي لن تتحقق الغاية من الرقابة على البيان الوزاري من قبل الذوات الأعيان، وإن كان لديهم صلاحيات رقابية أخرى تتمثل بالسؤال والاستجواب.
وقد خضعت القواعد الخاصة بالبيان الوزاري لجملة من التعديلات الدستورية التي أعادت له الاعتبار وذلك ابتداء من عام 2011.
فقبل ذلك التاريخ، لم تكن الحكومة الجديدة التي تتشكل في الفترة التي يكون فيها مجلس النواب غير مجتمع أو منحلا ملزمة بتقديم بيان وزاري لها، إذ كان النص الدستوري قبل التعديل يجيز لها اعتبار خطبة العرش بيانا وزاريا لها لغايات الحصول على ثقة أعضاء مجلس النواب.
إن هذا الحكم الاستثنائي الذي كان يساوي بين خطبة العرش والبيان الوزاري للحكومة الجديدة التي تتشكل أثناء عدم انعقاد مجلس النواب قد تم إضافته إلى الدستور الأردني في عام 1958 بما يتوافق مع المادة (48) من دستور الاتحاد العربي وتم الإبقاء عليه بعد انتهاء هذا الاتحاد، فالنص الدستوري السابق كان يلزم الحكومة بدعوة مجلس النواب خلال شهرين إلى الانعقاد، إن لم يكن منعقدا لتقديم بيانها الوزاري، أو أن تتقدم ببيانها الوزاري خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انعقاد المجلس الجديد إذا كان منحلا.
إن الحكم الدستوري باعتبار خطبة العرش بيانا وزاريا للحكومة الجديدة كان ينطوي على مخالفة صريحة لأسس النظام النيابي الكامل القائم على أساس عدم مسؤولية الملك السياسية أمام مجلس النواب وبأن الوزارة هي من تتحمل المسؤولية عنه، وذلك تطبيقا للقاعدة الفقهية أنه لا يُنسب إلى الملك خطأ بل إلى الوزارة.
كما أن خطبة العرش يلقيها جلالة الملك أمام مجلسي الأعيان والنواب مجتمعيْن وتتضمن توجيهات عامة لكافة السلطات في الدولة من ضمنها السلطة التشريعية ذاتها، في حين أن البيان الوزاري يقدم إلى مجلس النواب فقط مما يجعل مبررات اعتباره بياناً وزارياً غير متحققة.
هذا بالإضافة إلى أن التصويت على خطبة العرش كبيان وزاري للحكومة الجديدة يجعل من حصولها على الثقة النيابية أمرا محسوما، وذلك لعدم تصور وجود مناقشات أو إبداء أي اعتراضات على خطبة العرش.
وقد استمر الربط الدستوري غير الموفق بين خطبة العرش والبيان الوزاري حتى عام 2011 عندما تقرر إلغاؤه وإلزام كل وزارة جديدة تُؤّلف بأن تقدم إلى مجلس النواب بيانا وزاريا خاصا بها، حتى وإن تشكلت في الفترة التي يكون فيها المجلس غير منعقد أو منحلا.
فإذا تشكلت حكومة جديدة في الفترة التي يكون بها مجلس النواب غير منعقد، فإنه يدعى حالا إلى الاجتماع في دورة استثنائية، وعلى الوزارة الجديدة أن تتقدم ببيانها الوزاري خلال شهر من تاريخ تأليفها.
أما إذا تشكلت الوزارة الجديدة في الفترة التي يكون بها مجلس النواب منحلا، فإنه يجب عليها أن تتقدم ببيانها الوزاري خلال شهر من تاريخ اجتماع المجلس الجديد، وأن تطلب الثقة على ذلك البيان عملا بأحكام المادة (53) من الدستور.
وقد تابع المشرع الدستوري في عام 2022 تجويد الأحكام المتعلقة بالبيان الوزاري لصالح التأكيد على مكانته الدستورية وذلك بإضافة حكم جديد يتعلق بمواعيد تقديم هذا البيان، إذ لم يعد تقديمه يقتصر فقط على الحكومة الجديدة عند تشكيلها، وإنما جرى التوسع في هذا المبدأ بأن أصبحت الحكومة القائمة التي يتشكل مجلس نواب جديد في عهدها ملزمة بتقديم بيان وزاري إلى المجلس النيابي الجديد.
فالفقرة (6) من المادة (53) التي تقرر إضافتها في عام 2022 تنص على أنه “يتوجب على أي وزارة أن تتقدم ببيانها الوزاري إلى أي مجلس نواب انتخب في عهدها، وأن تطلب الثقة على ذلك البيان خلال شهر واحد من تاريخ اجتماع هذا المجلس”.
فهذا الحكم الدستوري المستحدث جاء متوافقا مع منظومة التحديث السياسي برمتها وبالأخص تلك المتعلقة بجواز الإبقاء على الحكومة إذا حُل مجلس النواب خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من عمره. فالمادة (74) من الدستور بحلتها المعدلة قد رتبت أثارا دستورية مختلفة على الحكومة التي يُحل مجلس النواب في عهدها، فإذا صدر قرار الحل قبل الأشهر الأربعة الأخيرة التي تسبق انتهاء المدة الدستورية للمجلس تكون الحكومة القائمة ملزمة بالاستقالة خلال أسبوع من تاريخ الحل.
إما إذا تقرر حل مجلس النواب بعد تلك الفترة، فإنه يكون من الجائز دستوريا الإبقاء على الحكومة، وأن تستمر في عهد مجلس النواب الجديد الذي سيجري انتخابه. إلا أن المشرع الدستوري قد ألقى عليها التزاما جديدا يتمثل بضرورة تقديمها لبيان وزاري إلى المجلس النيابي الجديد خلال شهر من تاريخ اجتماعه.
فالبيان الوزاري الذي سبق للحكومة القائمة أن تقدمت به إلى مجلس النواب عند تشكيلها قد انتهت الغاية منه بسبب صدور القرار بحل المجلس الذي منحها الثقة عليه.
وعليه، فلا بد للمجلس النيابي الجديد أن يعطيها ثقة على برامجها وأعمالها الحكومية، وذلك تأكيداً من المشرع الدستوري على أهمية البيان الوزاري وتفعيلا للرقابة النيابية على أعمال السلطة التنفيذية.
* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة