صدى الشعب – كتب سهاد طالباني
شكلت التطورات العسكرية الأخيرة في سوريا مفاجأة كبيرة للجميع، وذلك بسبب الزخم الكبير الذي تميزت به العملية العسكرية التي قامت بها المجموعات المسلحة المعارضة للنظام السوري والتي أدت الى سيطرة كبيرة على الأرض مع تراجع للقوات السورية النظامية، وهو الامر الذي يحدث لأول مرة منذ سنوات، والمحير انه حدث بسرعة كبيرة اثارت العديد من علامات الاستفهام حول التطور في تكتيكات المجموعات المسلحة المعارضة او التراجع في قدرات الجيش السوري وحلفائه.
لا يمكن أيضا تجاهل توقيت هذه العمليات، خاصة بعد ما جرى في غزة ومن ثم لبنان، حيث يرى مراقبون ان مجموعات المعارضة المسلحة تريد انتهاز فرصة انشغال حزب الله اللبناني ومحور المقاومة في معاركهم مع إسرائيل، لإعادة تشكيل الواقع الجيوسياسي في سوريا والمنطقة.
العراق بدوره ليس بمعزل عما يحدث في سوريا، حيث لم يكن كذلك في الماضي، ولن يكون بمعزل حاليا او مستقبلا. حيث تمثل الحدود العراقية-السورية نقطة محورية في مشهد الصراعات الإقليمية، ومركزًا للتداخل بين الأمن القومي العراقي والتطورات الجيوسياسية في المنطقة.
وفي محاولة فهم تأثير ما يحدث في سوريا على العراق، فأن هناك مجموعة من النقاط الرئيسية التي يجب اخذها بعين الاعتبار، هذه النقاط متداخلة ومتشابكة بطبيعتها، ولا يمكن النظر اليها كمسارات منفصلة، فهي جزء من مشهد معقد من الأساس، وتشكلت على مدى مراحل تاريخية أكثر تعقيدا.
النقطة الأولى تتمثل في أمن الحدود العراقية، وهو امر بالغ الأهمية، فكما نعلم جميعا فإن دخول تنظيم “داعش” الإرهابي الى الأراضي العراقية كان حصيلة مجموعة من العوامل، ومن ضمنها انهيار الوضع الأمني في سوريا، وضعف الأمن الحدودي بين البلدين. ولذلك فمن الواضح أن العراق يسعى، من خلال تعزيزاته الأمنية المكثفة، إلى منع تكرار سيناريوهات كارثية شهدها في الماضي، ولكن هذا الجهد يواجه تحديات عميقة تتجاوز التحصينات الأمنية والعسكرية.
إن النظر إلى الأمن الحدودي كعامل معزول قد لا يكون كافيًا لفهم ديناميات التهديدات الحالية. فالمنطقة الحدودية، رغم ما يقال عن تحصينها، تبقى “خاصرة رخوة” في ظل التحولات السريعة التي يشهدها الجانب السوري. تقدم الفصائل المسلحة هناك يمثل تغيرًا نوعيًا في موازين القوى، مما يفتح المجال لتساؤلات حول مدى جاهزية العراق للتعامل مع هذا الواقع الجديد. ورغم الحديث عن التنسيق مع التحالف الدولي، يبقى السؤال الأساسي هو: هل يستطيع العراق تبني استراتيجيات عسكرية وسياسية مرنة تتماشى مع هذه المتغيرات؟ إن الاعتماد المفرط على الأسلاك الشائكة والكاميرات الحرارية قد يعطي شعورًا مؤقتًا بالأمان، لكنه لا يعالج جذور التهديدات التي تتطلب مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار البعد الإقليمي للصراع.
انخراط فصائل عراقية في الازمة الحالية، هي نقطة أخرى لا يمكن اغفال خطورتها، فالفصائل التي تنضوي تحت محور المقاومة، والتي تعتبر نفسها حليفا طبيعيا لباقي عناصر محور المقاومة بما فيها النظام السوري وحزب الله، قد تقوم بالتدخل العسكري لدعم حلفائها، خاصة في ظل تهديدات فصائل مسلحة عراقية بالتحرك ضد جماعات المعارضة السورية، وما قد يؤدي الى انزلاق العراق الى معارك إقليمية مباشرة هذه المرة، بعد ان انخرطت فصائل المقاومة العراقي حرب غزة عن بعد.
عامل اخر لا بد من إدخاله في المعادلة، والحديث هنا عن عودة ترامب الى البيت الأبيض، وبالتالي عودة سياسته المتشددة تجاه كافة عناصر محور المقاومة بما فيها الفصائل العراقية، وبما يعنيه ذلك من احتمال عودة توجيه الضربات العسكرية المباشرة لهذه الفصائل وحتى للحشد الشعبي داخل الأراضي العراقية وليس فقط داخل الأراضي السورية.
تفاعل هذه النقاط والعوامل مع بعضها البض قد يؤدي الى تعقيد المشهد الداخلي العراقي، خاصة مع وجود انقسامات وخلافات بين القوى السياسية العراقية حول العلاقة مع دول وقوى محور المقاومة، وكذلك مع العلاقة مع القوى الكوردية في سوريا، والموجودة أصلا في قلب الحدث. هذا التعقيد قد لا يقف عند حدوده السياسية، ولكنه قد يمتد الى مواجهات على الأرض بين القوى العراقية.
إن الوضع الحالي يتطلب من العراق مراجعة شاملة لاستراتيجياته الأمنية والسياسية، مع التركيز على بناء تحالفات إقليمية حقيقية تهدف إلى استقرار المنطقة. فالأمن لا يتحقق فقط بالتحصينات، بل يتطلب رؤية متكاملة تستند إلى الدبلوماسية الفاعلة والحلول المستدامة للصراعات التي تمزق المنطقة.