عايش لـ”صدى الشعب”: الشتاء يضاعف الأعباء المالية على الأسر الأردنية
زيادة تصل إلى 20% في نفقات الأسر الأردنية خلال الشتاء
تراجع الادخار بالاردن من 9% إلى 4% يعرقل قدرة الأسر على ضبط النفقات
دمج الهيئات المستقلة وتحويل موازناتها لبرامج دعم للأسر ذات الدخل المحدود
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
مع حلول فصل الشتاء، تجد العائلات الأردنية نفسها في مواجهة تحديات مالية جديدة تضيف إلى الأعباء اليومية التي تثقل كاهلها، فمع برودة الطقس، تتزايد متطلبات الحياة اليومية، بدءًا من شراء المحروقات اللازمة للتدفئة، مرورًا بالملابس الشتوية، ووصولًا إلى تكاليف الرعاية الصحية التي تتصاعد خلال هذا الفصل.
وارتفاع هذه النفقات يشكل عبئًا كبيرًا على الأسر، خاصة ذات الدخل المحدود، التي تعاني بالفعل من ظروف اقتصادية صعبة، ومع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، تصبح مواجهة الأعباء الشتوية أمرًا بالغ الصعوبة.
وكشف تقرير مسح دخل ونفقات الأسرة الأردنية لعام 2018 عن تفاوت كبير في مستويات الإنفاق بين الأسر، حيث أشار إلى أن حوالي 9% من الأسر تنفق أقل من 5000 دينار سنويًا، بينما تجاوز إنفاق 13% من الأسر 20000 دينار سنويًا.
ووفقًا للتقرير، بلغ المتوسط العام لإنفاق الأسر 10143 دينارًا، مما يعني أن نصف الأسر تنفق أقل من هذا المبلغ، بينما تنفق النصف الآخر أكثر منه. وعلى الرغم من أهمية هذا التقرير، إلا أنه لم تتوافر بيانات رسمية حديثة عن الدخل والنفقات.
وتوزعت النفقات السنوية للأسر الأردنية بشكل لافت، حيث بلغ متوسط الإنفاق السنوي على السلع الغذائية وغير الغذائية والخدمات حوالي 12519 دينارًا.
وبهذا الشأن أكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن ارتفاع النفقات الرأسمالية للأسر الأردنية خلال فصل الشتاء يرتبط بما أسماه “اقتصاديات الشتاء”، حيث يزداد الإنفاق على احتياجات أساسية لا تُعتبر ضرورية في بقية الفصول، مثل التدفئة.
وأشار إلى أن تكلفة التدفئة تعدّ من العناصر الأساسية التي ترفع نفقات الأسر الأردنية، حيث لا تشكل جزءًا كبيرًا من المصاريف في فصلي الخريف والربيع، لكنها تضاف بشكل ملحوظ إلى النفقات الاعتيادية في الشتاء.
وأوضح أن الأسر الأردنية تدفع كلفة إضافية في أشهر الشتاء تتراوح بين 10% و15%، وقد تصل في بعض الحالات إلى 20% أو أكثر، مشيرا الى ان هذه التكاليف تشمل التدفئة، علاج أمراض الشتاء، وزيادة كلف التنقل لتأمين الاحتياجات أو الذهاب للعمل. إلى جانب ذلك، نفقات أخرى كترميم المنازل وشراء الملابس والأحذية الشتوية.
وأشار أنه بالنظر إلى متوسط دخل الأسرة الأردنية، والذي يبلغ حوالي 11,512 دينارًا سنويًا، مقارنة بمتوسط إنفاقها السنوي البالغ 12,519 دينارًا، يظهر وجود عجز يُفاقم مع ارتفاع التكاليف الشتوية، هذا العجز يدفع العديد من الأسر إلى ما أسماه “التكيف السلبي”، مثل تأجيل دفع الفواتير أو تقليل الإنفاق على احتياجات أساسية.
وأضاف أن حوالي 69% من الأردنيين لا يستطيعون سداد فواتيرهم في موعدها في الظروف العادية، بينما يشعر 59.8% منهم بقلق كبير من تكاليف المعيشة، وفقًا لاستقصاء الصحة المالية الذي يجريه البنك المركزي سنويًا.
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة والمشتقات النفطية يزيد من الأعباء على الأسر، حيث تفرض ضرائب مرتفعة على السولار والكاز، بما في ذلك ضريبة مبيعات وضريبة خاصة تبلغ 16.5%، مشيرا انه بالرغم أن الكاز يُفترض بيعه بلا ضرائب، إلا أن مبيعاته انخفضت بنسبة 11% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري مقارنة بالعام الماضي.
كما لفت إلى تراجع مبيعات المشتقات النفطية بنسبة 7% خلال نفس الفترة، مع انخفاض الإقبال على السولار بنسبة 6%، مؤكدا أن هذه العوامل، إلى جانب برودة الطقس والانجماد والثلوج، تجعل من فصل الشتاء تحديًا اقتصاديًا للأسر الأردنية التي تضطر لزيادة إنفاقها على التدفئة والطاقة، وهو ما قد يأتي على حساب احتياجات أساسية أخرى.
ضبط النفقات
وأكد أن ضبط النفقات دون التأثير على الاحتياجات الأساسية للأسر الأردنية يعد مهمة صعبة، مشيرًا إلى أن تحقيق هذا التوازن يحتاج إلى زيادة دخل الأسرة أو حدوث متغير إيجابي على هذا الدخل.
وأوضح أن انخفاض نسبة الادخار في الأردن من 9.35% في عام 2017 إلى 4.35% في عام 2022 يجعل مواجهة متطلبات الشتاء أكثر تعقيدًا.
وأضاف أن الأسر قد تضطر للتكيف بطرق غير آمنة أو غير مثالية لتلبية احتياجات التدفئة، مثل استخدام وسائل تدفئة منخفضة الجودة وخطرة كإطارات السيارات، الفحم، الحطب، الجفت، الورق، أو الكرتون، ما يؤدي أحيانًا إلى مخاطر صحية أو وفيات.
وأشار إلى أن الإقبال الكبير على هذه الوسائل يعكس الحاجة الملحة للتدفئة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
وأوضح أن التكيف مع متطلبات الشتاء غالبًا ما يتم عبر اقتطاع جزء من الإنفاق على الاحتياجات الأساسية لتغطية نفقات التدفئة، وفي أسوأ الحالات قد يتم الاستغناء عن التدفئة تمامًا للحفاظ على الإنفاق الأساسي.
وأشار إلى أن هذه التحديات تعكس صعوبة تحقيق التوازن بين النفقات الأساسية ومتطلبات فصل الشتاء لمعظم الأسر الأردنية، في ظل الإحصائيات التي تؤكد هشاشة الوضع المالي للأسر وعدم سهولة التكيف مع هذه الظروف.
برنامج حكومي للأسر
وأكد الحاجة الماسة لإطلاق برنامج دعم حكومي خاص بالأسر ذات الدخل المحدود خلال فصل الشتاء، مشيرًا إلى إمكانية تحقيق ذلك من خلال إعادة هيكلة أو دمج المؤسسات المستقلة.
وأوضح أن موازنات هذه المؤسسات تصل إلى حوالي 1.8 مليار دينار، فيما يمكن توفير 450 مليون دينار إذا تم اقتطاع ربع مخصصاتها.
وأشار إلى أن هذه المبالغ يمكن استخدامها لدعم الطاقة بأنواعها، خاصة للأسر ذات الدخل المحدود، عبر توفيرها بأسعار مخفضة أو دون ضرائب، مشيرا الى ان هذا الدعم سيضمن حصول الأردنيين على مصادر طاقة آمنة وتدفئة مستمرة، مما يساعد الأسر على تجنب تقليص إنفاقها على احتياجاتها الأساسية.
وأضاف أن هذه الخطوة ستخلق مضاعفًا اقتصاديًا إيجابيًا من خلال تحفيز الإنفاق في السوق، ما ينعكس بشكل مباشر على الحركة الاقتصادية والتجارية ويؤدي إلى تحسين الأداء الاقتصادي العام.
وشدد على ضرورة تنفيذ هذا البرنامج بشكل تدريجي، مع التركيز على الفئات الأكثر احتياجًا، انسجامًا مع ما أسماه “اقتصاديات الشتاء”.
وأكد أن الحكومة مطالبة بتقديم سياسات تحسن من جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، خصوصًا في مجال التدفئة، لما لذلك من أثر مباشر في رفع مستوى السعادة، الأمل، والثقة بين المواطنين والحكومة.
خفض الضرائب
وأكد ضرورة أن تقوم الحكومة بخفض الضرائب على المحروقات خلال فصل الشتاء، مشيرًا إلى أهمية تبني سياسات تتماشى مع ما أسماه “اقتصاديات الشتاء”.
وأوضح أن هذا التخفيض يمكن أن يتم عبر وضع معدل عام للضرائب على المشتقات النفطية، يأخذ في الاعتبار وزن واستهلاك كل نوع من هذه المشتقات خلال فصل الشتاء.
وأشار إلى أن الهدف من هذه الخطوة هو تحقيق انعكاس إيجابي على معدل دخل المواطنين، بما يسهم في تخفيف الأعباء الناتجة عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، خصوصًا خلال الشهور الأربعة أو الخمسة التي يمتد فيها فصل الشتاء.
وأضاف أنه من الممكن اعتماد وسائل وأدوات إضافية لدعم هذه الخطوة، من بينها الاستفادة من مخصصات المؤسسات المستقلة، مشددًا على أن الحكومة تحتاج إلى تطوير أفكار جديدة وفعالة للتعامل مع تحديات “اقتصاديات الشتاء”.
وأشار إلى أن هذه السياسات لن تسهم فقط في تخفيف الأعباء المالية عن المواطنين، بل ستعزز قدرتهم على تحمل تكاليف الطاقة، ما ينعكس إيجابيًا على جودة حياتهم ومستوى معيشتهم خلال فصل الشتاء.
عادات استهلاكية ضارة
وأشار إلى أن العادات الاستهلاكية السلبية لدى الأسر الأردنية ترتبط بعدة عوامل، أبرزها المخاوف المتعلقة بالحالات الجوية، وتقييم الأسر للعروض التجارية في السوق، إضافة إلى العادات العامة التي قد تؤدي إلى تبذير الأموال.
وأوضح أن العديد من الأسر تميل إلى تخزين المواد الغذائية والقرطاسية دون الحاجة الفعلية لها، أو الاستفادة من العروض على سلع قد لا تكون ضرورية.
وأكد أن الأسر الأردنية كثيرًا ما تفرط في استخدام السيارات الخاصة للقيام بمهام يمكن تأديتها بطرق أخرى، مما يزيد من الإنفاق.
وأضاف أن غياب التنظيم والتخطيط لميزانية الأسرة يؤدي إلى عشوائية في عمليات الشراء وتلبية الاحتياجات، وهو ما يفاقم العجز بين الدخل والنفقات.
وتابع أن هذه العادات تزداد سوءًا في فصل الشتاء وشهر رمضان، مشدداً على أهمية تغيير هذه السلوكيات لصالح التخطيط والتنظيم، بحيث يتم التوازن بين الدخل والنفقات بشكل يقلل من العجز المالي.
وأكد أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها الأسر والآثار السلبية الناتجة عن العشوائية تتطلب استجابة جادة من الأسر لتبني ممارسات مالية أكثر تنظيمًا، مما يساهم في تقليل المخاطر الاقتصادية وتحقيق الاستقرار المالي.
الإنفاق يتحول للأساسيات
وأكد أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد أسفرت عن تغييرات كبيرة في عادات الاستهلاك لدى الأسر الأردنية، حيث تم توجيه الاستهلاك نحو السلع المنتجة محليًا أو السلع القادمة من شركات ودول صديقة.
كما أشار إلى أن هذه الحرب أدت إلى تقليل الإنفاق على الاحتياجات الأخرى، وخاصة الترفيهية، مما دفع معظم الإنفاق نحو السلع الأساسية، خصوصًا الغذائية منها.
وأوضح أن هذه التغييرات أثرت بشكل ملحوظ على الحراك التجاري والنشاط الاقتصادي في السوق، مما يتطلب آلية جديدة للتعامل مع هذا الاتجاه الاستهلاكي، ومع ذلك، اعتبر أن هناك فوائد عديدة من هذا التحول، حيث أن الإقبال على المنتجات المحلية يعد استثمارًا في القطاعات الإنتاجية، مما يزيد من الإنتاجية ويوفر فرص عمل جديدة، فضلاً عن دعم التصدير وتحسين العائد الاقتصادي للأسر بشكل مباشر وغير مباشر.
وأشار إلى أن هذا التوجه الاستهلاكي يمكن أن يسهم في تحسين الإيرادات الحكومية، ما يساعد في تقليص عجز الموازنة وتقليل الحاجة إلى الاقتراض.
وأضاف أن هذه الخطوات قد تساهم في تخفيض الفوائد على الديون، مما يتيح استخدام جزء من الإيرادات المحلية لتقديم خدمات أفضل وتوسيع نطاق الخدمات المقدمة للمواطنين.