صدى الشعب – كتب محمد علي الزعبي
لم يعد الحديث عن شح المياه في الأردن مجرد ملف خدمي أو تحدٍّ موسمي، بل أصبح قضية سيادية ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن الوطني والاجتماعي والاقتصادي، وفي ظل تسارع التحديات المناخية وتزايد الضغوط السكانية والاقتصادية، يبرز مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر ونقلها كأحد أهم المشاريع الاستراتيجية في تاريخ المملكة الحديثة، بل كخط دفاع رئيسي عن استقرارها المستقبلي.
هذا المشروع لا يمثل حلاً تقنياً فحسب، وإنما يعكس تحوّلاً في التفكير الاستراتيجي للدولة، إذ يتموضع في قلب رؤية شمولية لضمان الأمن المائي الذي يُعد الركيزة الأولى لأي عملية تنموية. وتشير التقديرات إلى أن الإغلاقات المالية المتوقعة مع الشركات الفرنسية مع بداية عام 2026 ستشكل لحظة مفصلية تؤكد التزام المجتمع الدولي وثقته بالقدرة الأردنية على تحويل التحديات إلى فرص.
القيمة المضافة للمشروع لا تقتصر على معالجة العجز المائي المزمن، بل تمتد لتطال الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي وجاذبية الاستثمار. فالمياه ليست مجرد مورد طبيعي، بل هي أساس التنمية الزراعية والصناعية والسياحية، وبدونها لا يمكن لأي خطط اقتصادية أن تستقيم، وبذلك فإن الناقل الوطني ليس مشروعاً قطاعياً معزولاً، بل استثمار استراتيجي طويل الأمد يضع الأردن على خريطة الدول التي أدركت مبكراً أن إدارة الموارد هي جوهر السيادة.
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى الدور المحوري الذي قام به معالي المهندس رائد أبو السعود، الذي شكّل بحضوره وخبرته حجر الزاوية في دفع هذا المشروع من حيّز الفكرة إلى حيز التنفيذ ، فقد كثّف جهوده في المراحل الحرجة، وأدار بواقعية وعقلانية شبكة علاقات مع الجهات الدولية المانحة والشركات العالمية، بما عزّز ثقة الداخل والخارج بقدرة الأردن على إنجاز هذا المشروع الاستثنائي.
إن مشروع الناقل الوطني ليس خياراً ثانوياً ولا بديلاً مؤقتاً، بل هو ضرورة وجودية وضمانة للاستقرار في العقود المقبلة، وإذا ما تحقق وفق المسار المخطط له، فإن الأردن لن يكون قد حلّ معضلة المياه فحسب، بل وضع أساساً صلباً لعقد اجتماعي جديد، تُبنى عليه استراتيجيات التنمية والهوية الوطنية في آن واحد.






