كتب _فايز الشاقلدي
بعد عدة أيام سيتوجه الناخبون إلى مراكز الاقتراع لاختيار ممثليهم في مجلس النواب العشرين الجديد ، ومن المفترض أن تكون هذه الانتخابات واحدة من الانتخابات النيابية المفصلية ، اذ تأتي في أعقاب قانوني الاحزاب والانتخاب الجديدان ، وأيضا في أعقاب مجلس النواب التاسع عشر الذي انتج مجلسا لم يحظ أداؤه برضا الشارع الاردني ، بل قوبل بهجوم شرس لما أقره من قوانين وأهمها قانون الجرائم الالكترونية الذي حد من حرية الصحافة.
ومع ذلك فإن العملية الانتخابية ، وإلى الان لم تتحول إلى حدث جوهري أساسي تتفاعل معه شرائح المجتمع المحلي ، بل تحول إلى حدث يترقب مجرياته حكومات إقليمية ودولية …!!!
وحقيقة الحال … أن الانتخابات النيابية تستمد أهميتها من الدور الدستوري لمجلس النواب الذي يُعد حسب نصوص الدستور ، الهيئة التمثيلية التي تنوب عن المواطنين في المشاركة في الحكم في نظام سياسي عرفه الدستور بأنه ” نيابي ملكي ” .
اهتمام الناس بالانتخابات النيابية لا يمكن أخفاء مؤشراته المرحلية، فهو يطفو على اسطح شبكات التواصل الاجتماعي، وهو عادة مخالف لحالة من الكساد والجمود والركود العام تصيب الاجواء العامة قبيل الاستحقاق الدستوري .
ولربما أنه ليس غريبا اهتمام الناس بالانتخابات، رغم أن قطاعات سياسية ومجتمعية واسعة تسجل ملاحظات جارحة وناقدة لمجريات مخاض العملية السياسية في البلاد، ولكن كما يبدو فثمة رغبة دفينة في غرائز الاردنيين تبحث بجلد وصبر حثيث عن التغيير والاستبدال الدافىء والناعم والسلس.
المجالس النيابية السابقة أفرغت الانتخابات من معناها السياسي، وقدمتها بصور متكررة على أنها مجرد ديكور شكلاني في المشهد السياسي، طقس احتفالي موسمي يظهر كل 4 سنوات يقام لاستكمال ضرورات يتلاشى وجوب اهميتها مع انفراط العملية الانتخابية.
ولكن ما يلتقط الان من المزاج الاردني العام، ثمة ذروة بالغة الاهتمام بالانتخابات النيابية، وبشكل معلن تدفع للقول بان الجمهور لا يريد أن يخرج من مسرح السياسة، وأنه يزاحم ليكون لاعبا حقيقيا ومؤثرا في صناعة البرلمان، رغبة باقصاء ومحو رغبات « جماعات وقوى تقليدية « تريد أن تبقي الحال السياسي كما هو لتبقى هي المستفيد الأوحد من لعبة الاقصاء العام.
الانتخابات بمعناها الديمقراطي، تعني مشاركة جميع المكونات الشعبية، وتعني عدم انغلاق المجال السياسي العام، وتعني فتح الفرص امام وجوه جديدة، والابتعاد عن لغز التكرار بالوجوه النيابية، فهي حقيقة تضع الدولة والمجتمع أمام رهان أرادة الاصلاح والحكم الرشيد.
فالعزوف الشعبي عن المشاركة بالعملية الانتخابية يعني أن المواطنين يظهرون رغبة بالانسحاب من المجال العام، ولا يريدون المشاركة في العملية السياسية، بما تمثله الانتخابات عادة من عملية تغيير بطيئة ومتواصلة في الاطار السياسي للمجتمع، وهذا على مستوى الافراد، فكيف ان قسنا مدى مقاطعة القوى السياسية والمجتمعية ؟ في الحديث عن الانتخابات النيابية، فلا بد من تثوير الذعر الانتخابي بين الشباب، باعتبارهم كتلة حرجة قوية عدديا تتجاوز 50 % من السكان، وتأثيرها يتعدى تعدادها، فهي كتلة تقاوم الخنوع والتكرار والتقليد، وتواجه كتلا اجتماعية بنيوية تقليدية تساند وتتحالف مع الطبقة «السياسية التقليدية» ومن يرون بان الركود وتجنب التغيير هي الخيارات التي يؤمنون بها لحماية المستقبل.
الديمقراطية ليست مجرد لعبة مؤقتة للاستعراض المقيت، أنما هي فعالية مستمرة تملا المجال الحيوي العام بالسياسة، فهي لا تتوقف عند لحظة فرجة صناديق الاقتراع. كل الحثيثات والاجواء العامة تنذر بانه يمكن انتاج انتخابات مختلفة وفقا لشروط ومعايير النزاهة والشفافية والمشاركة الشعبية الاوسع.