الأميرة ريم علي: الجميع عرضة للتَّضليل الإعلامي حتى الصحافيون المتمرِّسون
الدكتورة ميرنا أبو زيد : نعيش اليوم داخل “طوفان معلوماتي” مستمر
صدى الشعب – رغد الدحمس
انطلقت في معهد الإعلام الأردني، يوم السَّبت، فعاليات أكاديمية الدِّراية الإعلامية بالتَّعاون مع الجمعية العربية الأوروبية لباحثي الإعلام،ومعهد الصِّحافة النَّرويجي، ومنظمة اليونسكو،وتستمر حتى 8 من شهر حزيران الجاري بمشاركة 60 استاذًا أكاديميًا وصحافيًا وطالبًا من 8 دول عربية وعالمية هي، الأردن والمغرب وتونس ولبنان والعراق ومصر وفلسطين وألمانيا.
وقالت سمو الأميرة ريم علي مؤسسة معهد الإعلام الأردني في كلمة لها بحفل افتتاح الأكاديمية بحضور أعضاء مجلس إدارة المعهد وعدد من السفراء والمسؤولين الرسميين ومنظمات المجتمع المدني، يوم السَّبت، إنَّ العالم اليوم يعاني بشكل مباشر او غير مباشر بسبب عدوان إسرائيل على غزة ويبرز السؤال عن ماهية أفضل طريقة لحماية المشاهد من الأخبار الزائفة في أوقات الحرب، وبما أن معظم الحرب قائمة على المنصَّات الإعلامية، فأنَّه من المهم الحذر كمتلقي ومنتج بما يمكنُ للتكنولوجيا الحالية القيام به، وكيف يتعرض الجميع وحتى الصحفي المتمرس للخداع عبر الأخبار الزائفة.
ونوهت إلى أنَّه يجب على الصحفيين والعاملين بالإعلام تعلم كيفية اتقان استخدام الذكاء الاصطناعي للحفاظ على مصداقيتهم، ورأينا هذا في الحرب على أوكرانيا ونراه الان في غزة، واشترت إسرائيل كافة التغطية الدولية للأحداث في غزة عن طريق حظر أغلب الصحافين، وقتلت أكثر من 90 صحفيًا محليًاوهذا يفتح الباب للخطأ، والتضليل، وللمعلومات المضللة.
وأكدت أنَّ صحفيين قلائل بقوا في غزة وهم أقلية من الأصوات التي تخبر العامة حقيقة الذي يحدث، فيما تطلق إسرائيل هجومًا خلف هجوم وآخرها تفجير وإضرام النيران في مخيمات اللاجئين في الأيام الماضية، ومشاهدة الصور صعبة للغاية وبالطبع نرى هذه الصور لأنه ظهر لنا جيل جديد من صحفي مواقع التواصل الإجتماعي، يستخدمون هواتفهم ليخبروا قصصهم عن المعاناة والدمار للعالم.
ولفتت إلى أنَّ مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي الإسرائيليين أتوا لإنقاذ حكومتهم المحاصرة في دعم حربهم على غزة، والحكومة الإسرائيلية أيضا في يدها أدوات وتكنولوجيا متطورة بما في ذلك الذكاء الإصطناعي لنشر السردية الخاصة بهم. وعلى الجانبين بسبب خيبة الأمل من الإعلام التقليدي، نجد المؤثرين على مواقع التواصل الإجتماعي يغذون هواتفهم بالقصص التي يريدون منا تصديقها وبالسرديات المختلفة التي تدعم معتقداتهم، كصحفيين وتربويين في منطقة تكثر فيها السرديات قبل أن نصل إلى الحقيقة، نؤمن أنه مهم أن يتم تعليم طلابنا كيف يكونوا مميزين بالتحديد في أوقات مثل هذه.
وبينت أنَّه يمكن للصحفي أن يرى مقطعًا مصورًا فيديو يظهر مقابر جماعية ولكن كيف يعرفون إذا كانت حقيقية، الخطوة الأولى هي التفكير النقدي وكيف يمكن التحقق من المعلومات الأمر الذي يدعو إلى المعرفة بخاصية التلاعب بالفيديوهات، الخطوات الأخرى تتضمن فهم القانون، وما يحق للعامة معرفته، والأخلاق، ومهمة الصحفي هي إظهار الحقيقة من غير إيذاء أحد.
وأشارت إلى أنَّ التدريب يسلط الضوء على المعايير الأخلاقية للصحفيين مع المعرفة بأنه وفي هذه الأوقات الصعبة وغير الاعتيادية هناك قلة قليلة من الأشخاص وبالتأكيد ليست الروبوتات سوف يلتزمون بهذه المعايير، مستشهدة بقول أبراهام لينكون سابقًا: أخبروا الناس الحقيقة وستكون بلادكم بأمان.
وقالت رئيسة الأكاديمية وعميدة المعهد الدكتورة ميرنا أبو زيد منذ اربع سنوات انتقلنا من جائحة المعلومات التي رافقت وباء كوفيد الى حرب المعلومات التي رافقت الحرب الروسية الاوكرانية الى حرب السرديات والحرب على الحقيقة التي تشنها اسرائيل ومناصروها بالتزامن مع المجازر التي ترتكبها في حربها على غزة.
وبينت أنّ وسائل اعلام عريقة وقادة دوليون تبنوا أكاذيب كثيرة وساهموا في ترويج ودعم الرواية الصَّادرة عن الاحتلال الاسرائيلي في سعيها لتبرير حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على غزة قبل ان يتراجعوا عنها، وهذا دليل على خطورة تصديق كل ما ينشر على المنصات الرقمية وحتى على وسائل الإعلام المرجعية.
وأكدت صعوبة اكتشاف التلاعب والتضليل بوجود ادوات تولّد صورًا وتزيّف الاصوات وفي ظل استنساخ المواقع الإعلامية وانتشار ظاهرة المواقع الفطرية؛ والتي تشكل تحديات حرجة ليس فقط في بيئتنا الإعلامية ولكن في حياتنا العادية. مما يجعل الدراية الإعلامية والمعلوماتية مهارة حياتية ضرورية لكل انسان.
وبينت أنَّه ومنذ دقَّتِ اليونيسكو جرسَ الإنذارِ، عام 1982، مناديةً ببناء فهم اجتماعيٍّ نقديٍّ لـ”ظاهرة الاتِّصالات”، تكثَّفَ الاهتمامُ بهذا الموضوع حتّى تبلور مفهوم الدراية الإعلامية والمعلوماتية بوصفها مجموعة متآلفة من الكفاءات الضرورية للحياة والعمل، وباتت جزءًا لا يتجزأ من أدبيَّات التربية والإعلام والوعي المواطنيّ وصناعة السياسات والجاهزيَّة للمستقبل.
ولفتت إلى أنَّ ثورة الإنترنتوما تبعها من فورات في التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي شكَّلت انقلاباً جذرياً، سواء من حيث كمِّيَّة المعلومات، أو سرعة انتشارها، أو القدرة على إنتاجها وتزييفها، أو من حيث الانتقال في بنية الفضاء الإعلامي إلى النموذج الشبكي حيث المعلومات تُنتَج في كل مكان وتنتشر في كلِّ الاتِّجاهات.
وأكدت أننا نعيش اليوم داخل “طوفان معلوماتي” مستمر، ممّا يُضعِف تأثير آليات التحقُّق والضوابط المهنية، ويضع الصحافة الجادَّة في موقع استلحاقيٍّ في معظم الأحيان. وإذا ما أضَفنا تراجعَ الإعلام العام، اعلام المواطنين في المجتمعات الديمقراطية وتركُّز الموارد الإعلاميَّة العالميَّة لدى جهات غير منتخبة، لا يعود مستغربًا أن يخشى من هذِه الآلة الجبّارة على الديمقراطيَّة وحقوق الإنسان ومستقبل البشريَّة نفسه.
ولفتت إلى أنَّ معهد الإعلام الاردني ينظم للسنة الثانية على التوالي فعاليات الأكاديمية لتزويد طلاب الصحافة وأعضاء هيئة التدريس بالمهارات اللازمة للتعامل مع تعقيدات العصر الرقمي، لا سيما في مواجهة الحرب والمعلومات المضللة والدعاية الكاذبة، ومن خلال ورش العمل والندوات والمحاضرات والأنشطة التفاعلية، ستركز الأكاديمية على تعزيز الثقافة الإعلامية والرقمية للمشاركين في مجالتقييم المعلومات المتعلقة بتغطية الحرب بشكل نقدي، وتحديد التحيزات والتلاعب المحتمل، والالتزام بالممارسات المهنية والأخلاقية للإعلام وبالدفاع عن المبادئ الإنسانية في حالات النزاع.
وبينت أنَّ “البرنامج الذي يستمر ثمانية أيام سيمكن المشاركين من ممارسة الصحافة المسؤولة التي تلتزم الأسس المهنية والاخلاقية والإنسانية وتعمل على توعية المواطنين واعادة الاعتبار الى المبادئ الاساسية لحقوق الإنسان والعدالة والديمقراطية. فما يعنينا من هذه الجهود أن تحافظ المهنة على علَّة وجودِها ومحكُّ نبلِها، أعني انحيازَها للدفاع عن الحقيقة”.
وقالت منسقة الجمعية العربية الأوروبية لباحثي الإعلام الدكتورة كاترينا نوتسولد إنَّ الهدف الرئيسي في عمل الأكاديميات هو العمل على التحول الرقمي والتغييرات الصحفية وتبادل المعارف والخبرات بين المدرسين المختلفين في الجامعات بشكل عام، ولكن هذه الاكاديمية هي مثال رائع على التعليم بين الأساتذة والطلاب وخريجي الصحافة وتجد الأساتذة يتلقون التعليم والتدريب.
وبينت أنَّه وعند الحديث عن الحرب في غزة فإن هناك أحداث قادمة تتمثل بالانتخابات في امريكا وألمانيا والاتحاد الاوروبي وسيكون هناك كم كبير من المعلومات المغلوطة على نحو غير مسبوق.
وأكدت أنَّ هذه الأكاديمية ستلعب دورًا مهمًا وكبيرًا في بناء استراتيجيات التفكير الناقد بين المشاركين ومن عدة دول وسيكون هناك تبادل كبير للخبرات والمعارف، متمنية تجربة وخبرة مفيدة فهي فرصة مهمة للالتقاء وجاهيا، وعلى سبيل المثال فإنَّ الأكاديمية هي فرصة للفلسطينين والذين لا يستطيعون السَّفر الى كلِّ مكان بحرية.
ورحَّبت مقدِّمة الحفل الإعلامية ماريانا خوري بمناصري الصِّحافة الحرة والمشاركين في الأكاديمية، مبينة أنَّ الأكاديمية ستكون فرصة لتبادل الخبرات ومشاركة الآراء وترسيخ مهارات الفكر النقدي دون تحيز أو خطاب كراهية والعمل من أجل السلام.
وفي الجلسة الأولى من أعمال الأكاديمية التي حملت عنوان التربية الإعلامية والبربوغاندا وقت الحرب: فصل من الحرب الاسرائيلية على غزَّة، قال وزير الثَّقافة الأسبق والمحاضر في معهد الدراسات العليا بالدَّوحة الدكتور باسم الطويسي إنَّ الحرب الاسرائيلية على غزَّة كانت أكثر الحروب تأثيرًا ثقافيًا على العالم.
وأضاف أن المشهد في العالم اليوم من الحرب الاسرائيلية على غزة والحرب الروسية الأوكرانية وبقية الحروب المندلعة اليوم يوجد مساحة كبيرة احتلتها حرب المعلومات والتي لا تتوقف عند الأمن السيبراني بل تتجاوز إلى إعادة تشكيل وعي الجماعات والوعي ضد الآخر.
وأشار إلى أنَّ الإعلام في أوقات الحروب يتسم بحساسية عالية ويدخل في حالة اضطراب نتيجة امتداد الصراع إلى محاولة السيطرة على وسائل الإعلام وقنوات تدفق المعلومات واحتكار هذه القنوات والتحكم فيها وخاصة في الحروب الممتدة والطويلة، ولا يمكن انكار الدور الذي تقوم به التكنولوجيا في هذا المجال ومن يوجهها ويسيطر عليها.
وأضاف أنَّ هناك أسئلة تظهر في زمن الحروب، ومن بينها، هل يتغير هيكل وتركيب الإعلام في زمن الحرب؟، وكيف يصبح سلوك المتلقين في زمن الحرب؟ وهل يجوز من منظور أخلاقي وقيمي بعسكرة وسائل الإعلام؟، هل يتغير دور الدراية الإعلامية في زمن الحرب، ومواجهة طوفان التضليل؟، وهل يمكن اعتبار الدراية الإعلامية هي أمن وطني؟.
وقال إنَّ هيكل الإعلام يتغير في زمن الحرب يتغير كما فعلت اسرائيل في الحرب الأخيرة على غزَّة عندما فرضت رقابة على وسائل الإعلام، وأصبحت هناك رقابة تقليدية ورقمية، والرقمية كانت أكثر تعقيدا وقسوة، وهناك رقابة بإغلاق شبكات الانترنت وخلال السنوات الأربع الأخيرة تمَّ رصد 750 اغلاقًا مؤقتًا للانترنت في 30 دولة حول العالم وهي من أكثر انواع حراسة البوابة قسوة.
وبين أنَّه في زمن الحروب تضيق مساحة الصِّحافة المستقلة وتزداد مساحة الإعلام المملوء بالدعاية ويحمل جرعات أكبر بالتضليل، ويتغير سلوك الجمهور، ويصبح هناك باضطراب المعلومات، وبالتالي لا تصبح وسائل الإعلام مصدر ثقة للجمهور.
وأكد أنَّ الاغراق بالتغطية الإعلامية للحروب قد يقود في مرحلة متقدمة مع الوقت إلى تطبيع الموت والمشاهد القاسية وتحويلها إلى مشاهد يعتادها الجمهور، ما يؤثر بدرجة تعاطفه مع الحدث، واعتياد المشهد، من هنا تبدو الدراية الإعلامية هي أمن وطني وادماجها في المناهج التعليمية والفضاء العام ووسط الشباب واعلاء قيمة حرية التعبير المسؤولة، وعندما تقع الكارثة والحرب يكون المجتمع لديك مُحصَّن.
وقال إنَّ 7 أكتوبر شكلت صدمة عسكرية واستخبارية وسياسية لاسرائيل، والقطاع الوحيد الذي لم يتبك في اسرائيل كان قطاع الاعلام وكان جاهزا للرد، حيث نفذت اسرائيل ومنذ الساعات الأولى أكبر الحملات الإعلامية في التاريخ وضفت فيها وسائل الإعلام العامة والإعلام الرقمي وحملات للتسويق السياسي مدفوعة الثمن على مواقع التواصل الاجتماعي ولأول مرَّة وبقيمة 60 مليون دولار في الأسبوع الأول، وهذا يشير أن خبراء الدعاية الاسرائيلية عرفوا الدرس مسبقًا وقيمة الكلمة التي تساوي رصاصة.
وشرح الطويسي ثلاث استراتيجيات إعلامية استخدمتها اسرائيل في حربها على غزَّة، الأولى كانت تسمى تصنيع الموافقة الجماعية، أي خلق إجماع حول الرواية الاسرائيلية، وهذا مفهوم قديم يعود لباحث أمريكي ووركر لبمان في عشرينيات القرن الماضي، ثم جاء نعوم تشومسكي وأعاد بنائه في عام 1989.