خالد خازر الخريشا
يقال ما اجتمعت الثروة والسلطة إلا وكان الفساد ثالثهما، ويرى البعض أن العلاقة بين السلطة والمال جريمة كاملة ومكتملة الأركان، فمقابل الثروة تتنازل السلطة عن أعز ما تملكه الأمانة والشرف ويكون الوليد مكروهاً، فإذا أردت إفساد أي مجتمع، فما عليك إلا فتح باب الزواج بين السلطة والمال، أي تسمح لرجل الأعمال أن يكون رجل سياسة وعضواً في البرلمان، أو وزيراً أو رئيس وزراء، أو حتى رئيس دولة، وهنا يشارك رجل الأعمال في صنع القرارات التي تخدم مصالحه أولاً وأخيراً .
هذا المولود المسخ وهو الفساد ينجم عنه مظاهر كثيرة ومتباينة ومتعددة على سبيل المثال الرشوة، إقصاء الكفاءات المؤهلة، المحسوبية، التكسب من وراء الوظيفة العامة ، المحاباة، استغلال الممتلكات العامة، الواسطة على حساب الغير، إساءة استخدام السلطة الرسمية، استغلال النفوذ، عدم المحافظة على أوقات الدوام الرسمي، الاستيلاء على المال العام، الابتزاز، وضع الشخص المناسب في غير المكان المناسب، التهاون في تطبيق الأنظمة والتشريعات أو تطبيقها على البعض دون الآخر وغالبية هذه الامور موجودة ومستشريه في مؤسساتنا.
المصيبة هذا المال الحرام حينما يقع في يد السفهاء واللصوص يصبح نكبة عليهم وعلى من حولهم، والسلطة حينما تقع في أيديهم يتحول الواحد منهم إلى «ثور هائج» كل ما يعرفه ويملكه هو استخدام قرنيه وتدمير كل ما حوله.
على الرغم من أن ظاهرة الزواج المحرم بين المال والسلطة هى ظاهرة قديمة إلا أنها عادت فى السنوات الأخيرة لتطفو إلى سطح الأحداث فى مناطق شتى بالعالم ومنها دول شرق أوسطية وعربية والاردن بالطبع أصابه سهام هذا الزواج مما جعل النقاش حولها يفوق كل ما عداها من ظواهر وبدأت الأصوات تعلو للتحذير من اشتباك وتزواج المال والسلطة باعتباره يؤدى إلى فساد المجتمعات.
وراحت قصص هذه الزيجات المحرمة بين المال والسلطة تخرج على صفحات الجرائد ومنصات اخبار المواقع الالكترونية وتنفجر فى نقاشات حامية على شاشات الفضائيات فى كل مرة تنتهى زيجة من هذه الزيجات بفضيحة مدوية.
ونظرا لخطورة هذه القضية الشائكة وما يحيط بها من قضايا فرعية فقد بدا العالم فى إزاحة الستار عن قصص غريبة وفضائح مثيرة فى عملية تتبع لأشهر عمليات ارتماء السلطة فى أحضان أهل البيزنس, أو عمليات مغازلة أهل البيزنس لأهل السلطة, وكيف كانت النتيجة وهى إفساد المجتمعات من نهب للمال العام, وشراء للذمم والضمائر, وضرب للقيم والمبادئ, وخيانة للأمانة التى وضعها الشعب فى أيدي حكامه .
اذا أردتم معرفة وحجم الفساد البائن بينونة صغرى في بلدنا إفتحوا ارشيف تقارير ديوان المحاسبة للعشرة سنوات الاخيرة حيث تشاهدون ان البلاوي والرشاوي والفساد والترهل الاداري يبدأ من مؤسسات الدولة..
هناك قصص شهيرة في الاردن شهدت زيجات المتعة الحرام بين المال والسلطة ويكاد المواطنون يشاهدون مسؤولين وصلوا الى الثراء السريع من خلال السلطة, فى محاولة للتعرف على الطريقة التى تبدأ بها, والخطوات التى تقطعها حتى تصل إلى مبتغاها, ثم تداعياتها, قبل أن يقطع الطلاق بينهما بمجرد انكشاف أمر أصحابها, وتفجر الفضيحة!!
للاسف في بعض الاحيان نرى ان المال فى الاردن هو الذى يقود السلطة يتحكم في بعض المفاصل.. والسبب فى ذلك استراتيجية التنمية والإصلاح الاقتصادى التى تبناها الاردن بعد عام 2000 وكذلك الخصخصة التي دمرت البلاد وأفقرت العباد.. والتى اعتمدت كلياً على بعض رجال الأعمال الذين باعوا المال العام واشتروه.. وبدأت عملية تصعيدهم سياسياً بشكل غير مبرر، حتى ظهرت الصراعات الاقتصادية مغلفة بإطار سياسى، ثم انتقلت إلى استخدام النفوذ السياسى لتحقيق المصالح الاقتصادية، فيما يعرف بسياسات (تكسير العظام).. فى تناقض واضح لقواعد الصراع السياسى نفسه، الذى يعتمد على مبدأ المصلحة، التى تدفع بدورها إلى عدم تدمير الخصم نهائياً، من منطلق إمكانية الاستفادة منه مستقبلاً.. الأمر الذى يقود إلى تساؤل آخر.. هل اتجاه البلاد نحو الحرية الاقتصادية، وبناء نظام اقتصادى قائم على آلية السوق، سبب كاف لتصعيد رجال الأعمال إلى مركز صنع واتخاذ القرارات السياسية ؟!
إن الليبرالية الجديدة التى تعتبر ركيزة فكر لليبرايين المعدلون وراثيا وبعض الحكومات فى جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تفرض على الدولة أن تكون بمثابة منظم للأداء الاقتصادى، وتكون أيضاً مراقب لسياسات الإصلاح الاقتصادى، وتضع استراتيجية لمواجهة الآثار السياسة والاجتماعية المتوقعة جراءها، فيما يعرف نظرياً بـ “الدور الاجتماعى للدولة” وهو أمر يؤكد أن القرار السياسى يجب أن يتخذه الساسة ليس غيرهم.. وأن السلطة يجب أن تقود المال وليس العكس.. حتى وإذا كانت الدولة (بكل هيبتها المفترضة) تحتاج إلى المال وأصحابه لتنهض ، فمن غير المفهوم أو المنطقى أن يتم تفصيل القوانين والسياسات من قبل أصحاب المال والأعمال ونواب البزنس والعطاءات ، وكما قال احد السياسيين ان الزواج بين المال والسلطة هو زواج سفاح يدفع مهره الشعب .