كتب. بشار الجرار
كم من المواقف تصادفنا في حياتنا الشخصية والمهنية يكون فيه لسان حالنا باللهجة العامية: عقله «براسه»! كناية عن غسل اليدين ممن أصر على رفض النصائح. البعض يوصل عناده حاله إلى حد قطع العلاقة اتقاء لتداعيات ذلك المعتد برأيه فقط إلى حد الانغلاق والعناد
يقال فيه فلان «كبّر راسه»! ما أجملها لغتنا، التكبير هنا ليس حجما وإنما انتفاخا. الكِبَر أو الخيلاء من أكثر الصفات غير الحميدة التي تفتك بالمبتلى به. هي سرطانية بكل معنى الكلمة، لأن للكبر مآلات عواقبها غير محمودة
شتان بين الثبات على الأسس والمبادئ الروحية والأخلاقية، وبين العناد والتمسك بقناعة في عالم دائب الحركة والتغيّر، خاصة في ميادين السياسة والاقتصاد والعلوم والنشاطات البشرية. هي في طبيعتها خليط عصي على التحكم، لكنه قابل للبرمجة
يسألني من يعنيني أمرهم عن أهم دروس الحياة، فأجيب بلا تردد، إن من أهمها المرونة. تلك المرونة التي ينصح فيها الحكماء «لا تكن صلبا فتكسر ولا لينا فتعصر». لا خير في أصحاب «الرؤوس الحامية» أو «الأنوف الحمراء» كما يقال في الثقافة الأمريكية. التفكير خاصة خلال عملية اتخاذ القرار، أي قرار، بحاجة إلى التفكير بعقول «باردة»، الخالية من أي شكل من أشكال الانفعال أو حتى العاطفة وإن كانت إيجابية أو حميدة
المشكلة -أو الأصح- المعضلة التي كلفتنا -وما زالت- الكثير، هي ورطتنا بمن جمعتنا بهم ظروف الاشتباك -سلبا أم إيجابا- بأننا ندفع ثمن قراراتهم الخاطئة وخياراتهم البائسة، بأشبه ما يكون بمنطلقات القرارات أو محددات اتخاذه الوهمية «دوليوجينال»
في الحياة الخاصة، نتمم الشطر المكمّل لهذه المقولة الشعبية: عقله براسه يدبّر حاله!
ليت الحياة المهنية أو الوطنية أو العالمية بهذه البساطة، فعالمنا بالغ التعقيد والتشابك والاعتمادية في ظل العولمة، وخاصة بعد هذا الجنون الذي مسّ بعض صنّاع القرار والذي صار يخرج عن الدوائر التقليدية كالحكومات لصالح منظمات لا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة أو المساءلة، ومنها ما هو جرميّ كعصابات تصنيع وترويج السموم (المسماة المخدرات)، ومنها ما هو مرتبط بأجندات لا تقل فتكا بالأسر والأوطان عن المخدرات
هذه دعوة لا أريد حصرها بملف أو حدث سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، دعوة بأن يتحمل أي طرف مسؤولية اتخاذ قراره ما لم نستشر به، فمن الظلم الاستمرار في تحمل تبعات قرارات تتخذ بعيدا عنا (مكانيا وسياسيا وأخلاقيا في بعض الحالات)
وحتى تكون هذه الدعوة، دعوة حق يراد بها الحق لا سواه، ما من جهة تملك القدرة على إحداث تغيير آمن وإيجابي في عقول الناس وقلوبها كالإعلام بجناحيه التقليدي والجديد. كلما شطبت الممنوعات والمحظورات تمكن الإعلام المهني المحترف من تعرية كثيرين ممن يتلطّون بها هروبا من الإجابة على الأسئلة الحقيقية التي ينتظر الجميع الإجابة عليها. ومرة أخرى، أذكر بالخير -من على هذا المنبر الحر- قامات أردنية أدارت بنجاح ما يعرف باللقاءات المفتوحة الإذاعية والمتلفزة -مسجلة كانت أم مباشرةـ كالراحل الكبير الأستاذ رافع شاهين، رحمة الله عليه. والمخرج والإعلامي الفذ عروة زريقات بارك الله في عمره