كتب. الدكتور/ مهند مبيضين
أحزن على عالمنا المبتلى بالحروب، إذ ما يكاد يخرج من حرب إلا ويشعل أخرى، وكأن الذاكرة البشرية لا تستطيع حتى أن تحفظ أعداد الملايين من الناس الذين أكلتهم حرب عالمية لم تبتعد عنا بأكثر من بضعة عقود. وهنا أتذكر ما قاله جندي شارك في واحدة من معارك تلك الحرب، بعد أن كان يتعمّد لبس حذاء أقل من مقاس قدمه، كي يرتح قليلاً حين ينزعه في صمت المدافع. أذكر هذا متمنياً لو أن الحروب أحذية ننزعها في المساء
أعرف أن كلامي حالم لا يتساوق مع قعقعة السلاح وزمجرة الطائرات. أعرف هذا وأقول ليت الحرب تنتهي اليوم مع مطلع آذار الجميل، الذي ما زلت أسميه شهر الحياة والحب؛ لفرط ما يكنزه من زهر دحنون وفراشات وأقحوان وبيلسان لا تليق إلا بالعاشقين. ولطالما غازلت فيه غيمات جائلات في صحن السماء مشتهيا لو أملأ وسادتي من قطنهن اللذيذ. لكن هذا العالم لا يكون على مقاس الحالمين أمثالي، بل يجيء كما يريد الطغاة المتجبرون
الغريب في هذه الحرب ليس الثأرية والانتقامية والسادية، بل الغريب أن البعض من الناس به شغف لا محدود في تقديس الطغاة، والتمسيد على بساطيرهم. وأن هناك من في دمهم ما يدعم صانعي الحروب، بدل التعاطف مع الشعوب التي تتجرع الويلات
وإن كان آذار شهر الحب عندي فهو (مارس) في التقويم الروماني، أي سيد الحرب في موروثهم. وكان يمثله كوكب المريخ ذو اللون الدموي الأحمر. وللأمانة فإن المريخ أيضاً في تراثنا العربي كان كوكبا مرعبا غاضبا، وسمي بهذا لأن نباتا صحراويا يسمّى «المرخ» يشتعل من تلقاء نفسه حين تهزّ الريح أغصانه اليابسة. ولهذا يحزنني أن تجتاح الحرب آذار وتهزم قصائد غزله وحكاياته. فتباً للعالم الذي لو أنفق نصف ما ينفقه على حربه؛ لغدت الأرض كوكبا من جنات وحنان
في طفولتي كنت إذا ما عدت حاملا دحنوناً تطردني جدتي، قبل أن أصل سياج الدار، وتأمرني أن أرمي ما معي بعيداً عن عيون الدجاج، فهو إذا ما رأى الدحنون؛ تقلّ خصوبته ويمسّه العقم، فينقطع منه البيض. واليوم وكل يوم أتمنى جبلاً من دحنون يشرئب نامياً كبيراً وعالياً أمام نواظر هذا العالم الداجن على النكبات، فعسى تقل خصوبته، ويكف عن بيض الحروب، وتعذيب بني إنسان على يد الطغاة