كلما حدث تصعيد بين الإيرانيين والأميركيين، عادت ذات التساؤلات حول إذا ما كنا نذهب تدريجيا لحرب كبرى في المنطقة، والإجابة على الأرجح، تقول إن الكل يتجنب الحرب.
عبر فترات متقاربة شهدنا مواصلة الأميركيين والإيرانيين، عمليات تصعيد محسوبة، حيث يتم قصف منشآت أميركية في العراق، ويتم قصف أميركي لمعسكرات إيرانية في سورية.
صواريخ الحوثيين تعتدي على الشقيقة المملكة العربية السعودية، في سياق وظيفي للحوثيين، يخدم الإيرانيين، أولا وأخيرا، ومعها صواريخ من تنظيمات عراقية موالية لإيران، فنحن أمام سلسلة إقليمية، من الحلقات تعمل معا، لتهديد أمن العالم العربي، وكأنه العدو الأول.
مع كل هذا ما تعرضت له سفينة إسرائيلية ترفع علم بنما، في منطقة الخليج العربي، وقرب سلطنة عمان، وهذه رسالة تتعلق بكل الملاحة في منطقة الخليج العربي، وما يعنيه عالميا.
هذه اللطمات المتبادلة من باب التسخين، تجري في الوقت الذي تريد فيه واشنطن مع طهران الوصول إلى صفقة على خلفية السلاح النووي، وإذا كان ذات الرئيس الأميركي يريد صفقة لكن مع شروط جديدة، أبرزها ملف الصواريخ طويلة المدى، وملف الاستقرار والأمن في المنطقة، إضافة إلى الملف التقليدي، أي وقف التخصيب النووي، فإنه أيضا يرحب بمفاوضات أو اتصالات مع الإيرانيين عبر البوابة الأوروبية، فهو أيضا يبحث عن حل لهذه الأزمة.
الأوروبيون يريدون هكذا صفقة، من اجل مصالحهم الاقتصادية أولا وأخيرا، فيما الإيرانيون يرفعون أيضا من سقف مطالباتهم، عبر اشتراط رفع العقوبات أولا عن إيران، قبل أي حديث عن الاتفاق النووي الإيراني، والكل يزيد من حدة شروطه في توقيت حساس.
في ظلال هذه الأجواء هناك حقائق ثابتة، أبرزها أن إيران لن تتراجع عن مشروعها في المنطقة، إذ لديها مشروع للتمدد السياسي، وهذا المشروع لن تتراجع عنه، بعقوبات أو غير عقوبات، ثانيها أن إيران ذاتها تقدم المنطقة على طبق من ذهب للأميركيين، إذ كلما وجهت تهديدات للمنطقة، كلما استفردت واشنطن أيضا بالمنطقة، وربما دخلت إسرائيل على الخط، من باب تقديم الحماية، وكأن إيران هنا مهدد استراتيجي وظيفي، يجبر دول المنطقة على التكيف، وبحيث تحصد واشنطن، كل الفواتير، من صفقات السلاح، وصولا إلى أمن الطاقة، ثالثها أن إيران لا تسعى حتى الآن لمصالحة المنطقة، والتفاهم معها، بل تريد إدامة التهديدات، وتنتظر مصالحة الأميركيين مباشرة، أو عبر الأوروبيين، ورابعها أن واشنطن ذاتها لا تريد إنهاء الخطر الإيراني بل تريد استمراره، حتى تبقى هناك عوامل تهديد تحصل واشنطن على المنافع، من المنطقة بسببها، وخامسها أن كل المنطقة اليوم باتت تحت ضغط مشروعين فقط، هما الإيراني والإسرائيلي، على صعيد الاستقرار، والموارد والثروات، والبنية الاجتماعية.
أخطر سؤال يتم توجيهه هذه الأيام إلى الإيرانيين، عن السبب الذي يمنعهم من اختصار كل هذه الملفات، ومصالحة المنطقة العربية، أولا، ثم خفض تهديداتها بشكل عام، إذ إن إيران منذ العام 1980، أي أربعة عقود تخوض حربا مفتوحة، تركت أثرها الحاد على الشعب الإيراني، والموارد الإيرانية، وهي حرب لا تتوقف حتى اليوم، بل تستمر بأنماط مختلفة، وهذا السؤال يجيب عليه الإيرانيون بقولهم انهم يبرقون رسائل تحسين للعلاقات، إلا أن العرب لا يأبهون فيما المنطق يقول إن التطمينات لا تكفي، ما دامت السياسات على الأرض تهدد المنطقة.
الأخطر هنا أن اللكمات المتبادلة بين الأميركيين والإيرانيين يراد منها تحسين شروط كل طرف في التفاوض العلني، وليس الوصول إلى حرب كبرى مفتوحة، لا تحتملها كل المنطقة.
احتمال وجود مفاوضات سرية بين الإيرانيين والأميركيين يبقى واردا، بعيدا عن كل التصريحات التي نسمعها، واذا كانت هناك مفاوضات سرية بين الطرفين، فهي ستكون مباشرة، حول تقاسم المصالح في المنطقة، والمساحات التي ستصبح إقامة إيران فيها شرعية، ومقابل أثمان محددة، فيما الصفقة بشأن الاتفاق النووي ستكون انعكاسا شكليا لهذه المفاوضات.
الصراع الأميركي الإيراني سينتهي في حال توفر أمرين، أولهما الوصول إلى ترسيم للمساحات الإيرانية في المنطقة، وثانيهما ضمان المصالح الأميركية والإسرائيلية.
أخيراً، ما هي الكلفة التي سندفعها إذا كانت هناك مفاوضات سرية بين الأميركيين والإيرانيين؟