كتب. بشار الجرار
صدى الشعب – بانتظار مزيد من الغيث الذي يروي العطشى والمرعى، استحضر صورا صيفية، صافية بامتياز، فليس الصيف واحدا في كل مكان. أشد العواصف عتوّا هنا في أمريكا صيفية، ويكون المطر فيها طوفانيا خاصة في الولايات الساحلية، الشرقية والجنوبية.
الصورة التي أتحدث عنها هي أشعة تلك الشمس الحارة، الحادة في سطوعها إلى حدّ إغماض العينين اتقاء لشدة وحدة الضوء الصادر عنها حتى انكسارا وظلا.
ولحماية الصحة العامة خاصة العينين، وكذلك حرصا على سلامة الرؤية لتفادي الحوادث المرورية، تتفاوت الولايات الأمريكية الخمسين في نسب التظليل المسموح بها للسيارات بما في ذلك استثناء أو السماح بتظليل الزجاج الأمامي أيضا.
الاستثناء الوحيد طبعا هو لسيارات الشرطة والأمن والجيش حتى أنك تكاد تميز سيارات شرطة المرور السرية التي تختص باقتناص مخالفي السرعة وقوانين السير الخطرة، تكاد تميزها من تلك النسب الخاصة بالتظليل. قتامة السواد هنا لا علاقة لها بالحماية من الشمس، وإنما لستر ما في داخل السيارة فلا يفلت من تسول لهم أنفسهم الخروج على القانون من قبضة أجهزة إنفاذ القانون ومن بعد القضاء.
شرفت بجيرة رجال شرطة ودفاع مدني قبل سنوات بضواحي واشنطن. تجاذبنا -ذات صيف- أطراف الحديث عن تظليل الزجاج وأمور أخرى من ضمنها تفشي ظاهرة النظارات السوداء أو الداكنة أو العاكسة كمرآة ومنها الملون على غرار الشفق أو الغسق.
أخذنا الحديث إلى تعدد الثقافات وبالتالي التجارب الاجتماعية ومنها الأمنية. حدّثت جاري عن عدم ارتياحي كمشرقي (وهو مفهوم ثقافي أقدم وأدق من الشرق الأوسط سياسيا)، عدم ارتياحي للنظارات السوداء. «العيون مغارف الحكي». شرحت المثل الشعبي بما يناسب الثقافة الأمريكية «لوك إن ذي آي» مقولة تستخدم توكيدا للثقة. كمن يقول بالعامية «عينه بعيني».. أومأ رافعا نظارته عن عينيه لتتّكأ على جبينه قائلا: «بالفعل تكتسب المحادثة مصداقية أعلى عندما ينظر الطرفان إلى بعضهما دون حجاب»، وهو في هذه الحالة النظارة الداكنة.
ورغم حرصنا المشترك على عدم الخوض في السياسة، حدّثت بعض من جمعتني بهم رغبة مشتركة في إصلاح ذات البين، بين أي فريقين مختلفين في أمر من أمور دينهم أو دنياهم، حدّثتهم عن جملة متداولة شعبيا عرفناها منذ أيام الصفوف الدراسية المبكرة، قبل زمن «عريف الصف»!
«تراني شايفك».. جملة دأب معلمونا على ذكرها، وهي على بساطتها تقدم الرّائي على المرئي وتجمع بينهما في علاقة ثقة متبادلة عوضا عن رقابة أحادية الجانب!
من الجميل أن يعي الفرد قبل المجتمع، أن الأمور كلها تبدأ من عنده.. تبدأ بأن يرى فيرى. هي بدون تنظير الشفافية 101 أو «تراسبيرانسي وان أو وان»!ضحكنا معا واحتسينا القهوة الأمريكية بلا نظارات!