صدى الشعب – أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الثلاثاء أنه لا يريد حربا سببها أوكرانيا، بعد أسابيع من التوتر الذي أججه انتشار واسع للقوات الروسية على حدودها، إلا أنه لم يخف مخاوفه من استمرار السعي لانضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) حاليا أو مستقبلا.
وقال بوتين -في مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتز عقب مباحثات مطولة بينهما في موسكو- “هل نريد حربا أم لا؟ بالتأكيد لا، لهذا السبب قدمنا اقتراحاتنا لعملية تفاوضية”؛ وأضاف الرئيس الروسي أنه بحث مع المستشار الألماني الضمانات الأمنية، وأكد استعداد موسكو لمواصلة تصدير الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
وقال بوتين إن بلاده أُبلغت بأن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي في المستقبل القريب، لكن موسكو لا تعتقد أن هذا ضمان جيد بما يكفي وتريد حل المسألة برمتها الآن.
بدوره، قال شولتز إنه اتفق مع بوتين على حل النزاع مع أوكرانيا ضمن صيغة النورماندي، وشدد على أن توسيع الناتو شرقا ليس مطروحا للنقاش حاليا، واعتبر المستشار الألماني أن إدانة المعارض الروسي أليكسي نافالني المسجون والذي يواجه عقوبة إضافية في روسيا “تتعارض مع مبادئ دولة القانون”.
وقال شولتز -بعد سؤاله عن مصير المعارض الذي عولج في ألمانيا عام 2020 بعد تعرضه لعملية تسميم نسبت إلى الاستخبارات الروسية- “بالنسبة إلى نافالني، موقفي واضح جدا، وإدانته تتعارض مع مبادئ دولة القانون”.
وأشار المستشار الألماني إلى أنه إذا تم التصديق على الاعتراف بدونيتسك ولوهانسك جمهوريتين مستقلتين فسيشكل ذلك انتهاكا لاتفاقية مينسك، وفق تعبيره.
دونيتسك ولوهانسك
ووجه النواب الروس -اليوم الثلاثاء- نداء إلى الرئيس فلاديمير بوتين يدعونه فيه إلى الاعتراف باستقلال المناطق الانفصالية الأوكرانية المؤيدة لروسيا والمدعومة من موسكو، والتي تشهد مواجهة مع الجيش الأوكراني في شرق هذا البلد منذ 8 سنوات.
مجلس الدوما الروسي صوّت على الاعتراف باستقلال منطقتي دونيتسك ولوهانسك عن أوكرانيا (الأوروبية) وقال رئيس مجلس النواب فياتشيسلاف فولودين “النداء الموجه إلى رئيس روسيا حول ضرورة الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين سينقل إليه فورا”، موضحا أن الوثيقة أقرت خلال جلسة عامة لمجلس الدوما.
بدورهما، أدان كل من البرلمان الأوكراني والاتحاد الأوروبي تصويت مجلس الدوما الروسي على الاعتراف باستقلال منطقتي دونيتسك ولوهانسك في إقليم دونباس.
والاعتراف بتلك المنطقتين سيشكل نهاية عملية السلام في شرق أوكرانيا واتفاقات مينسك الموقعة بفضل وساطة فرنسية وألمانية والتي تنص على عودة هذه المناطق على المدى البعيد إلى سيادة كييف.
وجاءت الخطوة الروسية بالتزامن مع إعلان موسكو بدء سحب بعض قواتها من الحدود الأوكرانية والعودة إلى قواعدها بعد انتهاء تدريبات عسكرية مع بيلاروسيا.
تحذيرات مستمرة
ورغم إعلان موسكو عن سحب جزء من قواتها، فإن الخارجية البريطانية قالت إن القوات الروسية يمكن أن تصل إلى كييف بسرعة كبيرة جدا إذا غزت أوكرانيا.
وقالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس -اليوم الثلاثاء- إنه لا يزال من المرجح بشكل كبير أن تغزو روسيا أوكرانيا، وقد يكون ذلك وشيكا، وأشارت الوزيرة إلى أن الحكومة في حالة تأهب لأي عمليات سرية في الأيام القليلة القادمة.
وأضافت تروس لشبكة “سكاي نيوز” (Sky News) أنه إذا دخلت القوات الروسية إلى أوكرانيا فسيمكنها الوصول إلى العاصمة كييف سريعا، مشيرة إلى أن “توقيت الهجوم فقد يكون وشيكا”.
وأوضحت الوزيرة أنه “لا يزال لدينا وجود دبلوماسي في كييف، لكن جزءا من فريقنا انتقل إلى غرب أوكرانيا”.
سحب السفارة
وكانت الولايات المتحدة أعلنت -أمس الاثنين- أنها بدأت نقل سفارتها من كييف إلى غربي أوكرانيا مؤقتا، بسبب التسارع الكبير في الحشد العسكري الروسي، وأشارت إلى أن هناك فريقا محدودا يجري نقله إلى مدينة قرب بولندا للقيام بالعمليات الدبلوماسية.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن -في بيان- إن نقل السفارة لا يشير إلى أي تخفيض في الدعم الأميركي لأوكرانيا، مؤكدا أن السفارة ستظل تعمل مع كييف لتنسيق العمل الدبلوماسي هناك، كما ستواصل واشنطن جهودها الدبلوماسية المكثفة لتهدئة الأزمة.
وأشار بلينكن إلى أن مسار الدبلوماسية سيظل متاحا إذا اختارت روسيا الحوار بحسن نية، وأن الإدارة الأميركية ستبقى على تواصل مع الحكومة الروسية بعد مكالمة الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، ومحادثاته مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
بلينكن قال إن بلاده عرضت على أوكرانيا قرضا بقيمة مليار دولار من دون أن يشير إلى رد كييف (رويترز) ونقلت وكالة رويترز عن بلينكن قوله إن الحكومة الأميركية تعرض على أوكرانيا قرضا بقيمة نحو مليار دولار لدعم اقتصادها، وسط الحشد الروسي على الحدود.
في هذه الأثناء، نقلت قناة “سي بي إس” (CBS) الأميركية عن مسؤول أميركي قوله إن صورا التقطتها الأقمار الصناعية أظهرت تحرك القوات الروسية من نقاط تجمعها إلى مواقع هجومية قرب الحدود مع أوكرانيا.
وأوصت الولايات المتحدة -في بيان- رعاياها في بيلاروسيا بمغادرتها فورا، بسبب الحشود العسكرية الروسية المتزايدة على الحدود البيلاروسية مع أوكرانيا؛ كما حذرت الخارجية الأميركية مواطنيها من السفر إلى مولدوفا، بسبب النشاط العسكري الروسي غير المعتاد والمقلق في المنطقة، وفق البيان.
خيارات روسية عدة
وجدد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي تأكيده أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يحدث في أي لحظة.
وكشف كيربي خلال لقاء مع شبكة “سي إن إن” (CNN) الإخبارية الأميركية عن أن لدى الرئيس الروسي خيارات عدة، منها العمل العسكري التقليدي واسع النطاق، أو هجوم يشبه ما وقع في دونباس عام 2015.
ورحب المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية بإشارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى وجود أمل للدبلوماسية لحل الأزمة الروسية الأوكرانية، وأضاف كيربي -في مؤتمر صحفي بواشنطن- أنه لا يعتقد أن روسيا قد اتخذت قرارا نهائيا بشأن غزو أوكرانيا.
لكن كارين بيير نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض قالت إن روسيا لا تزال تحشد مزيدا من القوات على حدودها مع أوكرانيا، وأضافت بيير -خلال المؤتمر الصحفي اليومي للبيت الأبيض- أن هناك توقعات بأن يبدأ الغزو الروسي لأوكرانيا هذا الأسبوع.
وشددت على أن جهود الولايات المتحدة تنصب على منع حدوث حرب شرقي أوروبا، لكنها تبقى مستعدة لكل الاحتمالات.
وفي سياق الحديث عن الإمدادات والحشد المستمر، قال وزير الدفاع البولندي إن 8 طائرات أميركية مقاتلة وصلت إلى بولندا.
وأرسلت كييف قائمة مطالب إلى برلين تشمل أنظمة صواريخ مضادة للطائرات والطائرات المسيرة، وأنظمة تتبع إلكترونية، ومعدات للرؤية الليلية وذخيرة، حسب وسائل إعلام ألمانية؛ لكن مصدرا في الحكومة الألمانية ذكر أن برلين مستعدة للنظر في طلب أوكرانيا الحصول على معدات للرؤية الليلية فقط.
في المقابل، نقلت وكالة رويترز عن مصادر أمنية غربية قولها إن قوات من المرتزقة الروس عززت حضورها في أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة.
فريق أميركي متخصص
من جهة أخرى، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” (The Washington Post) عن مسؤولين أميركيين أن البيت الأبيض أنشأ فريقا متخصصا منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي يدعى فريق “النمر”، ضمن إطار استجابته للغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا.
ويضم الفريق مستشار الأمن القومي ومدير التخطيط الإستراتيجي ومسؤولين كبارا من وزارات الدفاع والخارجية والطاقة والخزانة والأمن الداخلي، وأوضح المسؤولون أن هدف الفريق هو وضع خطط ودليل إجراءات أميركية فعالة جاهزة للتنفيذ عند الحاجة.
وأضافوا أن الفريق أجرى تمرينين على سيناريوهات الرد الأميركي على الإجراءات الروسية بدءا من لحظة الهجوم ولمدة أسبوعين؛ كما اتخذ الفريق إجراءات لمواجهة الدعاية الروسية وفضح خطط موسكو قبل تنفيذها، وفق ما نقلته واشنطن بوست عن المسؤولين.
في المقابل، طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من وزير خارجيته متابعة المشاورات مع الغرب بشأن القضايا الرئيسية التي تثير هواجس روسيا في مجال الأمن، ضمن سقف زمني محدد.
وأبلغ لافروف بوتين أنه تمت صياغة رد روسيا على ردود الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) بشأن الضمانات الأمنية، وفرص الحوار بشأنها.
وشدد لافروف على أنه لا نية لدى روسيا للحديث مع الغرب إلى ما لا نهاية بشأن المطالب الأمنية، ولكن يجب مواصلة الحوار حاليا، حسب قوله.
عودة قوات روسية
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف للصحفيين إن القوات المسلحة الروسية المنتشرة قرب الحدود مع أوكرانيا ستعود إلى مواقع انتشارها الدائم بعد انتهاء التدريبات.
وبدأت وحدات المنطقة العسكرية الجنوبية والمنطقة العسكرية الغربية بالفعل التحميل على المركبات، وستتوجه إلى القواعد اليوم الثلاثاء.
وقال كوناشينكوف “مع اكتمال أنشطة التدريب القتالي ستسير القوات -كعادتها دائما- بطريقة مشتركة إلى نقاط انتشارها الدائمة”.
وتجري التدريبات البيلاروسية الروسية المشتركة تحت مسمى “عزم الحلفاء 2022” كاختبار للجاهزية الدفاعية ومواجهة الهجمات الخارجية ومكافحة الإرهاب، وتنتهي في 20 فبراير/شباط الجاري، وصرح ممثلو البلدين مرارا وتكرارا بأن المناورات دفاعية بطبيعتها ولا تهدد أحدا.
وعقب الإعلان الروسي عن سحب بعض القوات، قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا للصحفيين “تمكنا نحن وحلفاؤنا من الحيلولة دون قيام روسيا بمزيد من التصعيد، نحن في منتصف فبراير/شباط، ونرى أن الدبلوماسية لا تزال مستمرة”.
لكن كوليبا شدد على أن منسوب التوتر لا يزال مرتفعا عند الحدود الأوكرانية، وأنه لا يزال يتعين على روسيا سحب قواتها المتبقية، وقال “لدينا قاعدة تقول لا تصدق ما تسمعه، بل ما تراه، عندما نرى انسحابا سنصدق حدوث خفض للتصعيد”.
وتعليقا على إعلان روسيا بشأن إعادة انتشار قواتها، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي إن البنتاغون لن يؤكد أو يتكهن بشأن خطط ونيات قوات دولة أخرى.
وأضاف كيربي -في بيان مكتوب- ردا على سؤال للجزيرة أن الولايات المتحدة دعت روسيا، وتواصل دعوتها، إلى خفض التوترات في المنطقة. وأشار إلى أن واشنطن ستواصل التنسيق الوثيق مع حلفائها وشركائها بشأن هذه الأزمة.
من جانبه، أعرب أمين عام (الناتو)، ينس ستولتنبرغ، عن تفاؤله الحذر لما وصفه بالإشارات التي تصدرها روسيا حول رغبتها في مواصلة الدبلوماسية فيما يتعلق بالتوترات مع أوكرانيا والحلف في شرق أوروبا، داعيا موسكو لخفض التصعيد بشكل عملي على الأرض.
وقال ستولتنبرغ -في بيان صحفي من بروكسل أورده الموقع الرسمي للحلف اليوم الثلاثاء- “هناك إشارات من موسكو على أن الدبلوماسية يجب أن تستمر، هذه النية من موسكو للانخراط في الطريق الدبلوماسي تعطينا بعض الأمل والتفاؤل الحذر، لكننا الآن لم نر أي خفض للتصعيد على الأرض، ولم نر أي تقليص للحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية”.
الانضمام للناتو
وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رغبة أوكرانيا في الانضمام إلى حلف الناتو، وسط مطالب روسية بضمانات بأن الحلف لن يسمح لجارتها بأن تصبح عضوا فيه.
وقال زيلينسكي -في إفادة صحفية مع المستشار الألماني أولاف شولتز أمس الإثنين- إن حدوث ذلك سيضمن أمن أوكرانيا وسيادتها الإقليمية، ودعا زيلينسكي لاستخدام خط الغاز “نورد ستريم 2” سلاحا جيوسياسيا، كما دعا -في خطاب إلى الأمة- الأوكرانيين لإظهار التلاحم.
واتهم زيلينسكي روسيا بشن ما وصفها بحرب على بلاده على كل الجبهات، لكنه أكد أن كييف تسعى للسلام وحل كل القضايا بالحوار؛ وأكد المستشار الألماني أولاف شولتز دعم بلاده لأوكرانيا في مجالات عدة، وكشف عن إعداد حزمة عقوبات غربية محتملة على موسكو.
ودعا شولتز إلى حوار تحت مظلة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لحل كل القضايا المتعلقة بالضمانات الأمنية لكل من روسيا والغرب، مشددا على أن أوروبا ليست بحاجة إلى حرب جديدة.