صدى الشعب – إن استطاعة الدولة – ايّ دولة – التأقلم مع تحديات ثورة المعلوماتية، وانعكاساتها على مستقبلها، في وقت تتنامى فيه روح الغضب والثورة لدى الجيل الجديد، يعتمد اعتماداً كلياً على قدراتها تطويع العلم والتقنية والمعرفة الحديثة لمواجهة التحديات والمتغيرات التي فرضها النظام «المُعَولم» الجديد.
إن هذا التطور يشكل عنصر تحدٍ للدول، وبما يعتمده ذلك، على طريقتها في الاستجابة للمتغيرات التي عَصفت وما زالت تعصفُ بالبنى التقليدية.
وإن حجم «الاستهانة» لدى بعض الدول وقصر النظر عن ما يجري من تقدم هائل في وسائل الاتصال في العالم الذي أصبح «قرية كونية صغيرة» مرده إلى حالة من التقوقع المحلي على اعتبار أنه يمكن معالجة الأمور كما كانت في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان كثير من الأحداث لا يسمع بها من هم خارج حدودها.
لقد وصل العالم، بفضل ثورة المعلوماتية، إلى مرحلة أصبحت فيها حدود الدولة مسامية، بحيث لا تستطيع منع تدفق المعلومات والأخبار، إضافة إلى ضعف «مركزية الدولة» لصالح جماعات الضغط ومؤسسات المجتمع المدني، وقادة الرأي العام والإعلام البديل الذي يتيح للناس قراءة المغاير ورؤية الأحداث دون حدود أو قيود بعيداً عن الرقيب، الذي انتهى دوره، إلى الأبد.
الدول، التي أنفقت مئات الملايين، على وسائل إعلامها، ولم تستطع التأثير سوى على دائرتها الضيقة التي لا تتعدى الوصول إلى بعض القرى النائية، كيف لها ان تتعامل مع جيل جديد من الشباب الذين يشكلون 70% من المجتمع والذين سيتحولون إلى «جيل الميتافيرس» Metaverse بأبعاده الافتراضية ثلاثية الأبعاد المحاكية للواقع، والتي يمكن أن يطورها الشباب إلى «ميكانيزمات» عمل لبث روح الاحتجاج والغضب على الأوضاع القائمة.
وبموجب ذلك أصبح المواطن «مواطناً عالمياً» يستطيع من أي مكان ناءٍ ان يَنظّم لتيارات وتكتلات سياسية وفكرية حول العالم ويعبر عن رؤاه وافكاره بلا حدود. كما يمكن أن تُشكل هذه التحولات تحديا كبيرا للدولة ستعجز عن ادراك معانيها والتفاعل معها، إذا بقيت بنفس العقلية والأدوات القديمة.
لا يمكن للدول أن تبقى تتعامل مع أفراد مجتمعها، باعتبارهم قاصرين وليس لهم حق تقرير مصيرهم واختيار من يمثلهم بحرية ودون وصاية من احد، وعليها أن تستجيب وتتفاعل مع جيل جديد يمارس حريته الكاملة في فضاء مفتوح من «العوالم الافتراضية» لكنه لا يلبث أن يعود إلى واقعه الحقيقي المعاش حيث تنتفي كل هذه الخصائص ما يزيد من حالة «اغترابه» ويؤدي إلى نشوء جيل جديد غاضب ومتمرد على واقعه.
ليست المهمة سهلة، أمام الدول، وأدواتها المختلفة، لكنها ستكون صعبة جداً، وخطيرة جداً، إن تلكأت في الاستجابة للمتغيرات وبقيت تُعيد إنتاج أدواتها القديمة وتتعامل «بعقلية القلعة»، التي لا تشكل خطراً على المجتمع وأفراده، فقط، لا بل، على كينونة الدول برمّتها.
كتب. رمضان الرواشدة