صدى الشعب – لماذا يُدجج بعضهم كرة الثلج بحجر أثناء تقاذفها ضمن لعبة اعتدنا على وجودها منذ زمن، كلما افترش النقاء ثوبه الابيض؟
سؤال أثار حيرة العديد من النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما في ظل انتشار الصور و”الفيديوهات” التي تظهر طريقة اللعب بالثلج، وحتى المخاطرة بالنفس من خلال استخدام السيارات التي فقدت السيطرة وتسببت بأضرار متفاوتة، مشيرين، إلى أن هذا الاذى، وحتى لو لم يكن بقصد الاساءة، فمن الافضل أخذ جميع أشكال الحذر منه، والبعد كذلك عن اللعب العنيف أو المخاطرة بالنفس بأي شكل.
فالأصل بلعبة رمي كرات الثلج بين الناس، ووفقا للذاكرة الشعبية لجداتنا، أنها تسلية و”رياضة ثلجية”، للتعبير عن الفرح بزائر الخير والبركة، على أن تتم في أضيق نطاق لخطورة محتملة، وبدون أية قسوة.
ولكن أن “تُلغم” الكتلة الثلجية بحجر، بحجة المزاح و”خفة الدم”، وإن كانت القصة لم تصل لحد الظاهرة، وتعكس بالتالي بعض التصرفات الفردية فقط، فهذا ما يصفه متخصصون واكاديميون بالسلوك العدواني الناجم عن الكبت، والتوق لتفريغ الطاقة السلبية على هذا الشكل وسواه، والنتيجة هي احتمالية الإيذاء الذي حرمه الدين الاسلامي الحنيف، لإنه يُعتبر من الخطايا والآثام، مشددين على التربية القويمة ومراقبة سلوك الابناء منذ الصغر من أجل تنشئة سلمية وصالحة. ويطالبوا في هذا الصدد بضرورة الكف عن هذا التصرف العدواني، الذي قد يتبعه مشكلات أكبر، كمشاجرات جماعية، أو تسارع وتيرة العنف، “بزيادة حجم الحجر، وتنويع أهدافه، على الممتلكات العامة والخاصة”، مشيرين الى “فيديو” نشر عبر (جروبات الواتساب، وصفحات السوشيال ميديا)، ويظهر رمي كتلة ثلجية على الزجاج الامامي لأحدى سيارات الدفاع المدني، كمثال حي على قذف كرة الثلج كيفما اتفق، وإن كان بداخلها الحجر أو لا، الا انها تسببت بإرباك لسائقها.
هذا “الفيديو” أثار حفيظة بعض النشطاء ممن دعوا لمحاسبة كل من تسبب، بإيذاء الآخرين، وبإعاقة عمل الاجهزة المختلفة، المكلفة بالقيام بمهام تخدم المواطن، في مثل هذه الظروف القاسية.
يعلق خالد خريسات، وهو مؤسس شركة متخصصة بالبحث العلمي والصناعة، بقوله: ما يحدث أثناء اللعب بالثلج من ظواهر سلبية مؤذية، غير مقبول على الاطلاق، متسائلا: كيف لا يميز المرء بين اللعب لأجل اللعب وبدون أي خسائر، وبين تسببه المباشر بالإيذاء والعرقلة للآخرين.
تقول المهندسة وداد جبور، ضمن دردشة مع أصدقاء لها عبر إحدى مجموعات (الواتساب): “انصدمت من موضوع الحجار داخل الكرات “، واصفة هذا التصرف، بـ”المؤذي والغريب”، لأن هذه لعبة مستهجنة، على حد قولها. وعلى المقلب الآخر، فإن الطفلة لارا تعبر عن فرحتها العارمة باللعب “بكل رواق” على الثلج مع اسرتها، ودون أي عوائق، موثقة هي ووالدتها كغيرهما من الملايين صور العاصفة الثلجية وثوبها الجميل، “لتدخل باب التاريخ، وتصبح ذكرى نتحدث عنها في المستقبل”، على حد تعبير والدتها.
مديرية الأمن العام كانت قد دعت منذ أمس لعدم وضع الحجارة داخل كرات الثلج، وعلى لسان الناطق الاعلامي فيها العقيد عامر السرطاوي، الذي يؤكد أن الحوادث في هذا السياق كانت فردية، ولم ترتق لمستوى الظاهرة، والحمد لله.
ولكن هذا لم يمنع أن بعضهم قام بهذا السلوك، في بعض الاحياء، وبالشوارع، وكأنه من متطلبات إجتياز “الفصل الثلجي”، وفقا لمتابعين.
“هذا النوع من اللعب ينم عن تقصد العدوانية، وتفريغ الكبت، لأن من يقوم بوضع الحجر داخل كتلة الثلج، يدرك انها ستصيب هدفه، ألا وهو الإيذاء، أو الانتقام الذي يُشعر صاحبه بشيء من التفوق”، بهذه الجملة يُلخص المستشار في علم النفس الطبي والارشاد النفسي والتربوي الدكتور نايف الطعاني الجانب النفسي، حول قيام بعضهم باللعب العنيف على الثلج.
ويضيف أن الهدف المنطقي من ممارسة أي ألعاب ومنها اللعب على الثلج وبه، هو زرع البهجة والشعور بالمتعة، دون عنف أو قسوة، ولكن هذا الهدف قد يختلف من شخص إلى آخر، وفقا لكثير من الخلفيات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والمعنوية وغيرها، ما يفسر، وفقا لاعتقاده، اختلاف طرق اللعب وصولا لوجود من يمارس عنفه، وهو يضحك، كردة فعل على إصابة الشخص المستهدف، دون أدنى شعور بالذنب.
ويشدد الدكتور الطعاني على ضرورة استغلال حب الناس للعب بالثلج بكل ما هو ايجابي، كعمل رجل الثلج، أو أي اشكال جميلة، واللعب بكرات الثلج دون “رصها”، وتحويلها لكرة صلبة، مؤذية، حتى لو لم يكن بها الحجر “موضع البحث”، وبالضرورة الكف عن وضع الحجر بالكتلة الثلجية أثناء اللعب، لان هذا لا يعتبر في اطار المزح مطلقا.
ويستطرد، بل قد يرتقي ذلك الايذاء لمستوى الجريمة المقصودة لذاتها، كأن يريد أحدهم الانتقام من آخر في سياق المزح ظاهريا، ولكن الباطن يشي بغير ذلك، وقد يفعلها بعضهم دون أي نية سلبية، ولكن النتيجة غير محسوبة العواقب، دائما.
ويتابع الطعاني: اللعب، هو نشاط بدني وعقلي بهدف المتعة والتسلية، يبدأ منذ الطفولة، وفقا لتوجيه تربوي يعزز السلوك القويم، وينبذ العدواني منه، من خلال المتابعة والمراقبة وإتباع الاساليب التربوية الناجعة من أجل تكوين شخصية متزنة للطفل.
ويعرج على أن اللعب المؤذي بالثلج أو بغيره، وبحسب نظريات التحليل النفسي لـ”سيجموند فرويد” فإنه ينبع من غرائز عدة للإنسان، ومنها العدوانية، ومن ذلك، كما يتابع، العدوانية التي تظهر بوضع الحجر داخل كتلة ثلجية، في سياق خلط المزاح بالجد. ويركز الدكتور الطعاني في سياق ذي صلة، على ضرورة مراقبة الاهالي لسلوك ابنائهم، خوفا من تطور النزعة العدوانية” إذا وجدت”، الى ما يسمى بالسادية، وهي حالة مرضية، يتلذذ فيها الشخص بإيذاء الآخرين.
“لا شك أن إيذاء الناس يعتبر من الآثام والخطايا التي نهى الله تعالى عنه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم”، هكذا يقول عميد كلية الشريعة السابق في الجامعة الاردنية الاستاذ الدكتور محمد أحمد الخطيب، موضحا: المسلم إذا مازح أحدهم باللسان، فلا يمازحه الا بصدق، وبدون إيذاء أو تجريح، فكيف إذا كان المزاح باليد، فهو أكبر إثما عند الله سبحانه وتعالى.
ويضيف، وهو الاستاذ الحالي في الكلية ذاتها: لذلك فإن خاتم الانبياء والمرسلين عليه أشرف الصلاة وأتم التسليم، يقول:” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”، منوها، إلى أن اللعب بالثلج هو أمر محمود، ولكن من غير إيذاء أو ضرر للآخرين، فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل الكريم: “وجزاء سيئة سيئة مثلها”.
وحول قيام بعضهم بوضع الحجر بكرة الثلج، يعلق الدكتور الخطيب: إن في ذلك أيذاء واضحا، وهنا وجب القصاص على المتسبب بالإيذاء، مذكرا بأن المؤمن لا يصدر عنه الا الخير، ولا يجوز له بالتالي أن يؤدي الآخرين.
ويستطرد، حول حرص الاسلام على فعل الخير ومنع الأذية حتى لو كانت على هذا النطاق، قائلا: إن الرسول العربي الامين صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في المسجد لمن قام بأكل الثوم والبصل.
عالميا، تبين دراسة نشرها الموقع الالكتروني لـ” البي بي سي”، عام 2020، تحت عنوان ” ما الذي يدفع البعض لإلحاق الاذى بآخرين دون مبرر”: أن البشر يقدمون على ذلك، لجلب المتعة لأنفسهم، أو لتجنب الشعور بالألم، أو بسبب اعتبار الهدف المعتدى عليه، كمصدر للتهديد”.
(بترا)