صدى الشعب – رغم سنوات طويلة من العيش في أرقى دول العالم، اختار الأردني حمد يوسف نزال، مسقط رأسه في مدينة المفرق شمال شرقي الأردن، لتكون مكاناً يحقق فيها التميز من أبسط الأشياء.
نزال (52 عاماً) حصل على درجة الماجستير في الأدب الإنكليزي من جامعة غلاسكو الأسكتلندية عام 1998 وعمل مدرساً لمدة 11 عاماً في الولايات المتحدة.
كما عمل مسؤولاً إعلامياً ورئيساً للتحرير في إحدى المجلات الأمريكية، ونشرت له نحو 200 مقالة، وله العديد من المؤلفات في الأدب الهجين.
عاد نزال إلى الأردن عام 2016 بعد أن عمل مترجماً في الإمارات مدة 5 سنوات، ليختار بعدها طريقاً خاصاً للإبداع والتفرد، عبر بناء منزل من الطين والقش، حوّله إلى مزار للراغبين في مشاهد حية للإعمار القديم بطريقة عصرية.
بدأ العمل في مشروعه بعد عودته، في منطقة «الفدين» التابعة لمحافظة المفرق، على قطعة أرض مساحتها 750 متراً مربعاً، اشتراها بـ 35 ألف دينار عام 2009 واستغرق إنجاز هيكل البناء 24 شهراً.
واصل نزال العمل 3 سنوات أخرى حتى يُنجح فكرته، لينتهي به المطاف إلى إتمام منزله ذي الشكل القببي عام 2021 بمساحة 200 متر مربع، دون أن يستخدم فيه أي مادة خراسانية، مقتصراً على مواد أولية هي الطين وقش الشعير والرماد وشعر الماعز.
ومعتمداً على قاعدة تقول إن «كل تربة صالحة للزراعة لا تصلح للبناء» انطلق نزال في فكرته عبر استخدام تربة مدينته الجافة ذات الطبيعة الصحراوية، ومستنداً إلى خلطة تقليدية استخدمها أبناء منطقته في البناء خلال القرن الماضي.
بناء صديق للبيئة
5 غرف، فوق كل واحدة منهن قبة، بُنيت بطريقة هندسية اجتهادية، مع اللجوء إلى أصحاب الاختصاص في بعض الأحيان، ولم يعتمد فيها نزال على مقاسات موحدة، لذا فقد راوحت ارتفاعاتها بين 3.5 إلى 7.75 أمتار. 40 ألف دينار أردني (نحو 56 ألف دولار) كانت تكلفة البناء رغم بساطته، لكن نزال أرجع سبب ارتفاعها إلى وجود بعض الأخطاء، كون العمل تجريبياً، لكنه بدا سعيداً لوصفه البناء بأنه «ملائم للروح والجسد، لاحتوائه على مواد طبيعية».
أصباغ بسيطة، ونوافذ صغيرة، وأبواب خشبية على الطراز القديم، لم يكن لاختيارها تخطيط مسبق، إذ اعتبر نزال بأن البيت «شكل نفسه بنفسه».
خلال فترة وجيزة، تحول البناء البيئي إلى مقصد للراغبين في التدرب على طريقة البناء القديمة، وبات نزال مدرباً متخصصاً في هذا المجال، ورغم ابتعاده عن الجانب الأكاديمي في تدريس اللغة الإنكليزية، كان في قمة السعادة وهو يقدم خبرته لعدد من المتدربين الذين جاؤوا إليه من داخل البلاد وخارجها.
دافئ شتاء وبارد صيفا
وأفاد نزال قائلاً: «بيتي هو أول بناء حديث يُشيد باستخدام الطين، وقد أثبت إنجازه بأنه قابل للعيش البشري وملائم للجسد والروح».
وأضاف: «بناء منخفض التكاليف ومستدام وقابل للحياة طويلاً، ويتكيف مع العوامل الجوية، دافئ في الشتاء وبارد في الصيف».
وأردف: «من المعروف أن الجدار الطيني كائن حي يتنفس، يتمدد ويتقلص ويُخضع العوامل الجوية له».
وتابع: «الفكرة جاءت كحدس ودون دراسة علمية ولا خبرة عملية، لكنها أثبتت أن أفضل طريقة للبناء هي التحالف مع الطبيعة».
وزاد: «وصفة البناء هي مواد الأرض والقش وشعر الماعز والرماد، وهي بمتناول الجميع، ويعود استخدامها لآلاف السنين».
واستدرك: «هناك مساندة شعبية كبيرة لهذا البناء، لكنني أتمنى من الجهات الرسمية والمعنية أن تنظر له بعين الاعتبار، والتي اقتصر حضورها على دعم معنوي من مديرية ثقافة المدينة».
واستطرد: «هذا الجهد يحتاج إلى عمل مؤسسات، رغم أنه جهد فردي، وقد تحول البيت بشكل غير مقصود إلى وجهة سياحية للراغبين في التعرف على طرق البناء القديمة».
ويُعد البناء بالقش والطين من الطرق القديمة، ويتميز بأشكال كلاسيكية تفرضها طبيعة المواد المستخدمة، فضلاً عن ملاءمتها للبيئة، والتنظيم الطبيعي لمناخها الداخلي، وانخفاض تكلفتها مقارنة بالطرق الحديثة.