كتبت: اماني فايز البطاينة
“الحق عليك لاني زعلان”
“الحق عليك اني عصبِّت”
“الحق عليك اني ضربت السيارة”
“الحق عليك اني اكلت كثير”
“الحق عليك انه الدنيا خربانة”
“انت السبب انت السبب”
إدانة، إدانة، إدانة … امتدت لتصبح شكل من أشكال التنمُّر المقنَّع في حياتنا اليومية. أحيانا أشعر بأننا قد شربنا الإدانة مع حليب أمهاتنا. ونفسيا لا نعلَم أنها قد تكون شكل من اشكال التدمير، سواء كنا نستخدمها إزاء أنفسنا أو اتجاه الآخرين، بل وقد نستخدمها في إدانة أنفسنا أو إدانة الآخرين على أخطاء لم نفعلها ولم يكن لنا يد فيها نهائيا فيصبح شعور العار والتجريم هو السائد في هذه الحياة.
ثقافة الإدانة في مجتمعاتنا مترسخة بشكل لا يمكن نهائيا تمييزها في بعض الأحيان، يعود ذلك لأسباب كثيرة، اعلم بعضها وأجهل بعضها، ولكن باعتقادي أن أهم أسبابها المُلاحظة اننا نقوم بإسقاط حيثيات الثواب والعقاب في الممارسات الدينية وعلاقتنا مع لله على علاقتنا ببعضنا البعض، بحيث يصبح العقاب واطلاق الحكم شرا او خيرا والشعور بالذنب من الآخر اتجاهنا طريقة حتى نستطيع إما للسيطرة عليه أو للتنصُّل من مسؤولياتنا والاعتراف بأخطائنا، فيصبح الأسهل بالنسبة لنا، النقد والاستعلاء والتجريح بل وابتداع أسباب لهذه الإدانة التي تصب بشكل عجيب في مصلحة الآخر، وكل تلك الأسباب شكل من أشكال الخرافات التي يبتدعها الطفل الذي لم ينضج بعد في داخلنا حتى لا نتحمَّل مسؤولية أفعالنا ورغبتنا في التحكُّم بالآخر حتى ينصاع ويفعل أخيرا ما نريده منه.
أنا لا أقصد الإدانة اتجاه المجرمين واللذين يقترفون الفساد البيِّن، بل أقصد ما أصبحنا نستخدمه بشكل عادة وبشكل لم يعد حتى هنالك مجال للتحكُّم به إزاء المختلفين عنا، وإزاء اللذين نود امتلاكهم والتحكُّم بهم أو حتى إزاء من لا نحبهم ويستفزنا وجودهم لسبب لا يعلمه إلا الله أحيانا.
التجريح والانتقاد وتوجيه الاتهام والإساءة لا يمكن تجميلها، ولا يمكن أن يكون لها سببا في العمق إلا التوجه لذلك الجزء في الآخرين الذي يشعر بعدم الأمان، فيصدِّق ذلك النقد والتجريح والإساءة، فيشعر أنه مخطئ ولا بد أن ينصاع لصاحب التجريح والنقد والإساءة حتى يصبح انسانا صحيحا وذو قيمة أو حتى بكل بساطة أن يتم التخلُّص من ذلك الانتهاك والاذى وأن يتم إخراس ذلك المتنمِّر الذي يُظهر نفسه على هيئة مصلح ومعين، فنرضخ له.
قد نشعر ببعض العطف مع هؤلاء الناقدين والمسيئين (واللذين من الممكن أن نأخذ دورهم في بعض الأحيان)، لأن المنتقد والمسيء في العمق يشعر بحالة من الضعف ويريد إما أن يعوضها باستعلاء على آخر أو أن يحاول السيطرة عليه ليشعر أنه قوي، وغالبا هؤلاء المنتقدين والمسيئين اللذين يحاولون أذية الآخرين، يفعلون ذلك مع أنفسهم في الداخل، ينتقدون ويجلدون ويقسون على أنفسهم … وكل ما يفعلونه في الخارج هو انعكاس لتعاملهم مع أنفسهم، وغالبا هم لم يتعلموا طريقة للتحفيز واشعال الهمة الَّا ذلك النقد والجلد ويؤمنون بأنها الطريقة السليمة للتحفيز.
فيما يلي بعض الخرافات التي لا بد من نسفها:
١. التجريح … تجريح، لا اسم آخر له ولا مغزى وهدف منه الا التجريح، اي معنى ايجابي اخر يُغلَّف به، تزوير للمقصد الاساسي: التجريح والاذى.
٢.اجرحك واتسبب لك بالأذى بل واقتلك شعوريا حتى تكون اقوى في مواجهة الغير.
٣.أنا لا اجرحك ولا اؤذيك … انا واقعي وانت منفصل عن الواقع وهش وحساس بشكل مفرط، كن اقوى يا عزيزي.
٤.انا لا اجرح الناس ولا اؤذيهم اريد ان يستيقظوا وتموت قلوبهم ويصبحوا اقوى في مواجهة العالم، اؤذيهم لمصلحتهم.
٥. هذا نقد بنّاء ليس تجريح، انا اريد لك مصلحتك، انا أصف بشكل فج قبحك وبشاعتك حتى تعتدل وتصحح، صدقني، اقتلك حتى تُولد من جديد، نسخة اعظم، دعني اجرحك واقتلك شعوريا حتى تصبح احسن.
٦. العالم بشع جدا وقاسي واريدك ان تستعد له، لذلك انا اجرحك وانتقدك واؤذيك حتى تربي جلدا سميكا فلا يقدر عليك احد.
٧. انت من تضطرني لذلك التجريح والاذى والعنف، انت السبب، انت تستفزني، توقف عما تفعل واسلك ما اريدك أن تسلكه، حتى لا اتسبب لك بالأذية.
٨. التجريح والنقد والاذى شكل من اشكال التحفيز والتمكين والدفع للانجاز.
٩. انا اجرحك واؤذيك حتى اقتل غرورك فتتواضع وتقلل من قيمة ذاتك الواهمة، فتعرف حدودك.
نهاية، تعلَّم أن تقول (لا) وترسم حدودك مع كل نقد جارح يفتقر للطف واحترام كيانك، وتعلَّم أن تقول (لا) لكل من يسيء لك ويجرحك مهما أخبرك أن نيته لمصلحتك، الأذى والتجريح لا مبرر لهم نهائيا، رده في مكانه. هنالك بديل لكل ذلك، قد يحويه مقالا قادم.
ولنا جميعا:
الترهيب أضعف مراتب القوة
التمكين أعظم مراتب القوة
والرحمة أقصى مراتب القوة
انت تستحق الأعظم والأقصى
دمتم بخير.