العنف السياسي والتصفية الجسدية
علي العدوان
ترى أرندت أنَّ العنف لا ينفصل عن السياسة والسلطة، ولا يوجد عنف في السياسة على المستوى النظري أكبر وأخطر من استدعاء التصوّر البيولوجي الكلاسيكي للعنف، هذه هي الخلاصة الكبرى التي تنتهي إليها أرندت في خضمّ تفكيرها في العنف، لذا تشير إلى كلّ من نظر في السياسة إلى اليوم لا يجب أن يقول شيئاً آخر غير هذا. على سبيل المثال يرى فيبر أنَّ الدولة هي هيمنة الإنسان على الإنسان باستعمال العنف المشروع (أو بالأحرى الذي يعتبر مشروعاً)، وكذلك يرى (ميلز) أنَّ العنف هو الشكل الأخير للسلطة. إنَّ هذا الاتفاق العام والغريب في نظر أرندت، الذي يجعل من السلطة السياسيّة تنظيماً للعنف، لا يمكن أن يكون له أيّ معنى إلّا إذا اعتبرنا مع ماركس أنَّ الدولة تشكّل أداة للهيمنة في يد الطبقة المهيمنة. وتقرّر أرندت أنَّ السلطة من الناحية العمليّة هي الحكم، والحكومة لا تمارس غير سلطة الإكراه والإخضاع باسم المصلحة العامّة في الأنظمة المسمّاة ديمقراطيّة وباسم المستبد في الأنظمة التوتالتياريّة. إنَّ العنف في الأولى لا يمارس إلّا باسم الأغلبّية، في حين أنَّ العنف في الثانية لا يقع إلّا للدفاع عن حدود الله والسلطان، إنَّه يتخذ شكل الواحد في الأولى، في حين يصبح الواحد ضدّ الكلّ في الأنظمة الديكتاتوريّة. أنَّ العنف عند أرندت ليس مرادفاً للسلطة، لأنَّ السلطة، وفقاً لما تقول، هي قدرة الإنسان على الفعل المتناسق، وليست خاصيّة فرديّة، بل إنَّها تقود إلى مجموعة، وتظلّ موجودة طالما ظلت المجموعة مع بعضها بعضاً، وحين نقول عن شخص ما إنَّه في السلطة، فإنَّنا نشير إلى أنَّه قد منح تخويلاً من قبل عدد من الناس لكي يتصرّف باسمهم، وفي اللحظة التي تختفي فيها الجماعة التي نتجت السلطة عنها، تختفي سلطة المتسلط بدورها.