كتبت: اماني فايز البطاينة
لست فيروزية ونادرا ما استمع لفيروز، لكن أقدّر قامتها الفنية الجمالية واقدّر كل فيروزي … رجاء أكملوا المقال.
لي فترة من الزمن ادندن بأغنيتها: “في أمل؟”. واترنم بلحنها الكسول ومعانيها المتناقضة التي تمثّل تماما ماهيّة “الأمل”. جملة تضيئه متبوعة بجملة تنفيه، زياد الرحباني ابن فيروز وكاتب الاغنية، فلسَف الاغنية حتى تاه الجواب وينهيه أخيرا بعنوان الاغنية: “ايه في أمل”.
في أمل؟
ما هو الأمل؟
السبب في كتابة هذا المقال؛ جملة سمعتها قبل فترة:
“لا تتعلق بالأمل، الأمل شيء خطير”.
هل هو كذلك؟
اعتقد ان الجو العام الذي يكتنف العالم هذه المرحلةمن الوجود عند سماعه فيروز تغني: “في امل مرات … بيطلع من ملل”؛ جواب العالم دون تعميم قد يكون: (لا يوجد أمل)، وقد يرّد زياد الرحباني في البال ويقول: “الحالة تعبانة يا ليلى”.
هل حقا الأمل شيء خطير، هل هو حقا خيط واهي لا يمكن الاعتداد به وقد يلفّك ويخنقك؟
متى نحتاجه، هل نحتاجه؟
يُعرَّف الأمل بأبسط ما يمكن تعريفه: هو شعور ورجاء في تحقق شيء أو حدث ما أو الوصول لحدث يُحترى حتى لو كان مستحيلا.
وقد أتقوّل هنا لأضيف، أن ذلك الرجاء هو جذوة الايمان وأول لهيبه، وبدونه لا يمكن أن يبدأ إيمان ما بالتشكّل. وما الايمان الا رجاء في أوله يكتمل الى أن يصبح شعورا دافئا يدعم هذه الحياة أمانا واستقرارا وتصديقا قد تعجز عنه كل الأجهزة الأمنية والإمكانات المادية. لا يمكن للإيمان أن يتحقق بأدلة مادية فقط، وهو رحلة ذاتية تبدأ بأمل ما وتغيب بيأس ما، فالأمل شعلة ايمان واليأس تلبيس شيطان في عمومه الا في الاستثناء. هذا الاستثناء الذي يكون مذموما عندما يكون الأمل داعيا للكسل مفتِرا للعزيمة ينتظر صاحبه معجزة تنتشله دون سعي.
باعتقادي كنه الأمل هو أن يكون حافزا للسعي سببا له، لا نافيا له مُقصياً عنه، وكلٌ يعلم على أي هيئة أمله يتشكّل، هل هو حافزا للسعي ام مُقصيا له.
ولكن ما معنى أي سعي بلا إيمان يلازمه، وبالتالي أمل يشعل ذلك الايمان، يرافق البدء في السعي ثم يزيد ليتكامل ايمانا ما؟.
كل سعيٍ بلا إيمان، يكون فراغا لصاحبه، لا يفهم معناه، متشككٌ منه ولا متعة تلازمه فيه، والساعي بلا امل، بيأس يجتاحه، فاقدٌ للمعنى، تائهٌ في الفكرة متلبّسٌ عليه: لماذا أسعى؟ والى أين؟ وان وصل بعد السعي، كان وصوله الى فراغ وشعر أن سعيه هباء.
ومن وصل لإيمان ما خلال رحلة سعي بدأت بأمل ما، يعلم تماما أن المهم هو الايمان الذي ملأه حتى لو لم يتحقق الهدف، فالإيمان من أصعب ما قد يصل إليه كائن، رحلة ذاتية تصلك بجسر متين بالوجود، لا يعلمَّك إياها أحد ولا يمكن شرحها، تصلها بأبعادك كلها، ماديا وفكريا وشعوريا والأهم بحضور روحي، تحتاج مجاهدة، ولا يمكنك تغييرها عند أحدهم إن لم يرِد، قد تغيّر فكرا فتزعزع ايمانا، لكن من الصعب اجتثاث هذا الإيمان إلا بتجربة ذاتية خالصة.
ومن قال أنه مؤمن، ويعتريه الشك والخوف والقلق … هو ليس مؤمن، فالإيمان حالة أمانوتصديق وتسليم لفكرة ما أو وجود ما أو معنىً ما. وحتى لو كانت تلك المعاني ظلامية، فمنذ بدء الكون الى ما يعلم خالقه، النور والظلام موجودان، يُوجَد معنىً ظلامي ليقابله معنىً نوراني.
لذلك فالأمل عملة غالية لا تسفهوها عند أصحابها.
الأمل قد يوصِل صاحبه للإيمان فلا تسرقوا رحلة إيمان أحدهم.
لولا الأمل التراكمي على مر العصور، لما نمى الكون من حالة لحالة.
لذلك ازرعوا الأمل … وباركوه في قلوب أصحابه من ينطبق عليهم قول الجواهري:
أنا عندي وإن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤادِ تشتعلُ
وهذه الجذوة هي كنه الايمان، وهو ما أقول عنه منذ سنين بعدما وصلت لإيمان ما:
الإيمان هو الحفاظ على الشعور بنور خافت وإذكائهفي الداخل بالرغم من كل الهواجس والظلام وكل الجنيات التي تتقاتل داخل رأسك لتحاول نفيه، تَسكُت الجنيات ويزيد النور، باتصالك به… فتؤمن حقاً.
فهل أنتم تباركون الأمل؟ أم تحاولون تسفيه أصحابه؟
دعوهم، فهم بركة هذا الكون وبأملهم يتصلّون بعمق الكون.