عنوان اقتصادي للمرحلة

 

تشعر في كثير من الأحيان ان الحكومة ليس لها أي هوية اقتصادية رغم جسامة الحدث والتحديات، فالخطاب الاقتصادي له مثل أي خطاب آخر في أي وقت كان، ولا يستطيع أي مراقب او محلل ان يطلق وصفاً على السياسات الحكومية في هذه المرحلة الاستثنائية.
هذا التشتت في الوصف الحكومي الاقتصادي ليس محصورا بالحكومة الحالية او التي سبقتها، فغالبية الحكومات تعمل يوما بيوم، وهي أشبه ما تكون بعمال المياومة، فالتخطيط الاستراتيجي والمتوسط وطويل المدى معدوم من حيث التنفيذ وإن كان في بعض الفترات موجود من الناحية النظرية، لكنه فعليا لا يطبق، فالحكومات عادة ما تكون عاجزة عن الالتزام بمثل هذه البرامج، وأقصى ما يمكن عمله هو ان تنفذ خطتها المالية لسنة واحدة لا أكثر وهي قانون الموازنة العامة، وحتى هذه فإن تنفيذها بالشكل الكامل والمستهدف صعب المنال في كثير من السنوات.
غالبية الحكومات تأتي ببرامج وخطاب اقتصادي شمولي، وهي تتحدث دائما عن عمليات إصلاحية وتحفيزية لكل مناحي الحياة دون استثناء، من الصحة إلى التعليم إلى الإصلاح الإداري والاقتصادي ومحاربة الفساد والفقر والبطالة، وزيادة تنافسية الاقتصاد وجاذبيته، ورفع الإنتاجية والكفاءة القطاعية والبناء وغيرها من الشعارات الموجودة في كُل خطابات الثقة الحكومية بلا استثناء.
لذلك لا يستطيع احد ان يلقي عليها وصفا محددا نتيجة لقيامها بعمل ما أو تصديها لمشكلة ما، فهمي كغيرها من الحكومات أتت وخرجت دون وصف لها سوى ما يطلقه الشارع عليها من نعت سلبي لمسؤوليها او وزرائها.
الحكومات في الخارج عادة ما تتحدد مهامها بشكل دقيق لدرجة انه إعلاميا يصبح من الدارج إطلاق وصف عليها سواء أكان سياسيا أم اقتصاديا، كالقول: حكومة ضد الارهاب، او حكومة انتخابات، حكومة للتحفيز الاقتصادي، او لمواجهة البطالة او حتى لتنفيذ مشروع استراتيجي كبير معين له انعكاسات مهمة على مستقبل الاقتصاد كالسدود او تحلية المياه او مشاريع في الكهرباء او غيرها من المشاريع ذات الأثر المباشر على عمليات التنمية.
بالنسبة لنا في الأردن، كل هذه الأوصاف السابقة شبه مفقودة ان لم تكن معدومة، فالحكومة تأتي وتخرج دون ان يكون لها بصمة واضحة سوى في ارتفاع المديونية والعجز، اما ان تترك أثرا إيجابيا مباشرا فالأمر مستحيل إن لم يكن معدوما، حتى الحكومات التي طال عمرها بشكل استثنائي وكانت تمتلك كُل الوقت لإنجاز ما خططت له لم تحقق شيئا على صعيد النمُو الاقتصادي كحكومة النسور التي زادت المديونية في عهدها بأكثر من عشرة مليارات دينار رغم حصولها على أكبر مساعدات مالية مباشرة في تاريخ الحكومات بالدولة الأردنية، وإنفاقها على قطاعات دون تحقيق أي مردود اقتصادي على التنمية كمشاريع كبرى في النقل والمياه، بل انفقتها على تعبيد طرق غير استراتيجية لمصالح ضيقة مع كُل أسف، مما شكل نكسة حقيقية للإدارة العامة التي لم تستغل تلك الأموال لصالح المواطن والتنمية، على العكس حملت الأجيال أعباءً لا يمكن التخلص منها خلال السنين المقبلة بسهولة، وفوق كل ذلك أنفقت أموال المنح والمساعدات واهدرتها دون حساب لها.
البطالة اليوم كابوس حقيقي في وجه الاستقرار السياسي والاقتصادي، وأعداد المتعطلين عن العمل يزدادون فصلا بعد فصل، والمياه أزمة حقيقية وملموسة لها آثار سلبية على الاقتصاد والحياة المعيشية اليومية، فلماذا لا تكون لدينا حكومة تحمل شعار حكومة لمواجهة البطالة او حكومة لتنفيذ مشاريع المياه الكبرى، فهذا لا يمنع ولا يعطل سير الأعمال الحكومية الروتينية، فالتخصص يعطي تركيزا حكوميا في توجيه موارد الدولة وفكرها الإداري نحو قضية رئيسة بدلاً من حالة التشتت والتبعثر التي نراها في الحكومات التي تريد ان تعمل كل شيء، وفي النهاية تخرج بلا شيء تحقق على أرض الواقع.

Related Posts

Next Post

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

x  Powerful Protection for WordPress, from Shield Security
This Site Is Protected By
Shield Security