ما الحل في لبنان؟

لن يكمن حل الأوضاع المستعصية في لبنان، على مختلف الجبهات السياسية والاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية المتفاقمة والمقلقة، بتشكيل حكومة رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي فقط، ذلك أن عوامل فشلها السياسية، حتى بعد التشكيل، قد تكون أكبر بكثير من مسببات نجاحها. ولعل السبب استمرار تناحر الفرقاء في لبنان لتحقيق مكتسبات سياسية وفق عقلية المحاصصة العقيمة، متناسين أن بلادهم تهوي، وبسرعة صاروخية، نحو المجهول، الذي قد تكون من تداعياته اضطرابات اجتماعية لا نعلم أين ستؤول.
ما الحل إذا في لبنان؟ لعله يكمن في الدعوة لعقد مؤتمر إنقاذ وطني عاجل باستضافة الجامعة العربية في القاهرة لجميع الفرقاء السياسيين، ومشاركة مختلف الدول العربية والأمم المتحدة وممثلين عن القوى الكبرى في العالم والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، يكون هدفه الوصول أولا إلى خريطة طريق تفاهمات سياسية وفق إطار زمني ملزم، وثانيا خطة إنقاذ اقتصادي على مراحل، تضمن خروج لبنان من عنق الزجاجة، ومنح شعبه الأمل الحقيقي من جديد بأن الحل قادم.
صحيح أن مؤتمرات الدعم الدولي، كتلك التي عقدت مؤخرا مثل المؤتمر الدولي الثالث لدعم لبنان، الذي نظمته فرنسا بالشراكة مع الأمم المتحدة، تسهم في توفير الدعم المالي الذي يحتاجه لبنان وشعبه بشدة في هذه الأوقات الكارثية، الذي تحقق بتعهدات المشاركين بنحو 370 مليون دولار أميركي، إلا أن مثل هذه المؤتمرات لا تقدم حلا شاملا بل جزئيا، وقد تتعرقل جهودها بعدم التزام المانحين، أو بسوء إدارة المنح من قبل المعنيين في الداخل اللبناني.
لا بد من الإيمان بضرورة شمولية الحل، الذي لن يتحقق بترك الأمر للقادة في لبنان وحدهم. فقد أضاعوا أكثر من سنة كاملة بين مد وجزر لتشكيل حكومة انتهت بالفشل الذريع بين الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري منذ حادثة انفجار مرفأ بيروت الأليمة. وهذا بحد ذاته جريمة سياسية بحق لبنان وشعبه، الذي يرزح أكثر من نصفه تحت وطأة الفقر للأسف.
على الجميع، داخل لبنان وخارجه، التوقف مليا عند تقرير الأسبوع الماضي لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، لبيان سوء الوضع الذي وصل إليه لبنان في عيون العالم. فوفق الصحيفة، ونقلا عن البنك الدولي: “فإن الأزمة الاقتصادية في لبنان أسوأ وأكثر حدة من الأزمة التي ضربت اليونان في العام 2008، أو حتى تلك التي عصفت بالأرجنتين في العام 2001، التي كان من تداعياتهما تشريد الآلاف من الناس، وما تبعه من سنوات طويلة من الاضطرابات والقلاقل الاجتماعية في البلدين”.
لا يعقل أن يصل الأمر إلى هذا الحد، ويقف سياسيو لبنان، الذي فقدت عملته أكثر من 100 بالمائة من قيمتها أمام الدولار الأميركي خلال عامين ومعدلات بطالة تفوق 40 بالمائة، وبالتالي في طريقه نحو الإفلاس الاقتصادي، عاجزين ولا يملكون من الحلول إلا إضاعة الوقت أكثر في النظر فقط بتشكيل حكومة يعلم الكثيرون منهم أنها قد لا تصمد أكثر من بضعة أشهر، إن لم تكن أسابيع، لعدم وجود تفاهمات سياسية حقيقية ملزمة تضمن ديمومة الحكومة، والدعم اللازم لها لإنجاح خطط الإنقاذ الاقتصادي مع المؤسسات الدولية.
لينظر قادة لبنان والعالم فقط إلى أزمة الأدوية ونفادها، والنقص الشديد في الوقود وحتى بعض المواد الغذائية الأساسية، وللجرائم التي بتنا نسمع بها في شوارع بيروت، ليدركوا أن ترك هذا البلد وشعبه وحدهم في عين العاصفة سيقود لا محالة إلى الانهيار، فالوضع أصعب من سنوات الحرب الأهلية، والوقت ينفد، وكرة الثلج تتعاظم.
ولنأخذ العبرة من جلالة الملك عبدالله الثاني، خلال مشاركته في المؤتمر الدولي الثالث لدعم لبنان، الذي عقد بالتزامن مع الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، بقوله: “لا يمكننا التراخي وترك لبنان وشعبه يقتربون من حافة الهاوية”. وللبناء على ذلك نقول: أنقذوا لبنان قبل فوات الأوان أيها اللبنانيون والعرب والعالم. فالفرصة سانحة، وما زال بصيص الأمل موجودا، فلا تطفئوه، وتطفئوا معه صوت لبنان الجميل، لكنه الحزين حتى هذه اللحظة.

Related Posts

Next Post

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

x  Powerful Protection for WordPress, from Shield Security
This Site Is Protected By
Shield Security