كتبت – اماني فايز البطاينة
منذ فترة طويلة وانا مشغولة في تراتبية التكريم في الآية الكريم:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ – الإسراء (70)
حيث إن التكريم قد ذكر أولا ومعه أتى التسخير والرزق ثم كان كل ذلك تفضيلا منه تعالى لبني آدم. ودائما ما أتفكّر كيف لخالقنا أن وهبنا كل ذلك قبل أن نثبت أحقيتنا لذلك، ثم يأتي السؤال، هل نحن فعلا نستحق ذلك؟
وهل هذا الاستحقاق هو جزء من قدرنا كمخلوق لربٍ يعلم سير الكون كله؟
ثم أتدبّر في آيتين لا تنفكان ارتباطا لدي بالآية الأولي، وهم لدي في اقتران، حيث قال جلّ في علاه:
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾– البقرة (30)
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾– الأحزاب (72)
- فأول الخلق تكريم وتسخير وتفضيل.
- مقترنا باستخلاففي الأرض.
- استخلاف في حمل أمانة ناءت بحملها السماوات والأرض والجبال.
ويعاودني السؤال، هل الحالة الاصيلة في الانسان هي الاستحقاق لذلك كله؟
هل يولد الانسان مستحقا لكل ذلك؟
هلا لا بد أن يفعل شيء لينال شرف ذلك الاستحقاق في التكريم والتفضيل والتسخير … أم أن الله قد جعل أساسا وجوديا في خلقنا ذلك الاستحقاق؟
وما هو حقا مفهوم الاستحقاق مقترنا في منظور الآيات الكريمة سالفة الذكر؟
قد راج في الفترة الماضية هاشتاغ “بدي حقي”، وعاودني حينها معنى الاستحقاق. هل الاستحقاق أن نطالب غيرنا من البشر بما هُيء لنا؟
أعتقد أن هنالك لغط كبير في مفهوم الاستحقاق، بحيث يصبح الطلب من بشر غيرنا، وخالق كل البشر سخر لنا ورزقنا بيده كل شيء برحمته وفضله منذ خلقتنا الأولى.
هل لذلك خُلقنا! لنطالب غيرنا بأن يسخروالنا ما هو أصلا مسخر لنا، والذي وهبناه من أجل الخلافة؟
وهل تلك الأمانة التي حُمّلنا، تستوجب أن نطلبها ممن هم معنا رفقاء في حملها؟
هل يكون لنا أن نطالب بذلك الاستحقاق دون سعي؟
أم أننا نلنا ذلك الاستحقاق والتكريم حتى نؤدي الأمانة ونُتم استخلافنا فلا يكون محض فساد وسفك للدماء، ولكن بتجلي علم الله الذي ذكره الله في رده على ملائكته الكرام.
باعتقادي، أنك كإنسان مكرّم مُستحق لكل خير الكون الذي ضمنه الله لك في خلقك، ولكن ذلك كله قيد حملك الأمانة وقيد أدائك لدور الخلافة كما أراده الله في أتم صوره. والاستحقاق لا يكون بتفضيل آدمي على غيره، فكلنا أولاد آدم والتكريم شملنا جميعا.
لذلك … قم، كفاك شعورا إما بالاستسلام أو الركون والشعور إما بالدونية أو الاستعلاء.
أحمل الأمانة التي حُمّلت من خالق الأكوان جميعا.
كن خليفة بحق، هل دور الخليفة أن يستكين؟ أم أنه بناء على ذلك الدور له مهام ودور في هذه الأرض لا بد أن يحتريه ويفهمه أولا ويعلم مكانه من هذا كله، ثم يسعى له! بأن حقه لا يقتصر على وظيفة، وحقه لا يقتصر على مكتسبات ماديه.
حقه الأتم هو التكريم والتسخير والخلافة وحمل الأمانة … وذلك كله يستوجب السعي لا الطلب، وإن طلب؛ طلب من الله.
لأن قيمتك عالية عند خالقك، استشعر تلك القيمة، لا تطالب بها، ولكن طبقّها واقعا في سعي كريم وعمل وتؤتى بناء على ذلك ما سُخّر لأجل تلك المهمة. كن عظيما يترك أثرا ويعلي همما.
في هذه الأيام المباركات، أسأل نفسي وإياكم:
هل أُدرك فعلا ما معنى خلافة في الأرض؟
هل أُدرك تماما ماذا يستوجب ذلك؟
هل أنا ذات قيمة محفوظة من التكريم قد كُفِلَت لي من خالقي، أم انني لا بد من فعل شيء حتى أحصل على هذه القيمة؟
هل السعي يكون لتحصيل قيمتي، أم أنني مخلوق ذو قيمة ولذلك فإنني أسعى فيما استُخلفت وإن كنت صادقا في ذلك أُوتيت ما سخر لي لأُتم حمل الأمانة والاستخلاف وفض التكريم؟!
كل عام وأثركم باقي
كل عام وأنتم ممن يقال عنه أنهم قد أدّوا الأمانة وحفظوا العهد مع الله.
كل عام وأنتم في سلام،وصفاء،وتكريم، وفضل.