كتبت : اماني فايز البطاينة
منذ بداية ٢٠٢٠ وأنا أراقب تراكم الأحداث مثل جميع العالمين على هذا الكوكب المسكين. في بادئ أيام الحظر شعرت أن الأرض استراحت منا، كما أنني شعرت أن فيروس كورونا هو رفيق رحلة الوجود، بل وقد قمت بتسميته كذلك، كيف لا وهو قد قام بتهدئة سير الحياة المتسارع الصاخب، وساعد الأرض ومن عليها ليتنفسوا الصعداء، أعلم أنه “قد زودّها”، لكن لولاه لم نهدأ ابداً.
أود أن أشير، أن الرأي أعلاه هو فقط تصوّر قد يعتقده البعض طفولي، ولكنه على أقل تقدير قد ساعدني في تحمّل الشهور التي مضت.
توالت الأحداث بعد كورونا، ورأينا السخط العالمي من “الحبس المكاني الإلزامي” اللذين تعرضنا له جميعا دون استثناء، ولا أستثني نفس من ذلك السخط. بل وقد عانى الكثيرين من اضطرابات نفسية واضحة وانتشرت دعوة عالمية للسعي الى النقاهة النفسية بكل الطرق المتاحة.
وهذا ما جعلني أتساءل؛ فعليا ما الذي يزعجنا أو أزعجنا. بعيدا عن كل التحليلات النفسية والاجتماعية، فقد راقبت من حولي ومن اعرف على شبكات التواصل الاجتماعي لأُدرك أن هذا الحبس لم يظهر شيئا جديدا فينا، ولكنه قام بتعرية أو زيادة إظهار الدفين اللامرئي في كوامن شخصياتنا، فذلك الهدوء جعلنا جميعا في مواجهة ذواتنا ومواجهة الآخر الأقرب لنا، ثم جعل الملائكة أو الشياطين التي تستوطننا ونحاول وأدها في صخب الحياة المعتاد، جعلها تخرج من أوكارها.
فمن كان متزنا، استطاع تخطي “الحبس المكاني” ومن كان غاضبا ازداد غاضبا، ومن كان خائفا وصل بالخوف أقصاه ومن كان حزينا كمدا؛ وصل مداه.
واستشرت أخبار الموت، لتضاعف كل ذلك!
وذلك ما أوصلني للتساؤل؛ هل فعلا ما عشناه في الحظر هو الحبس، أم أن ما نعيشه كل يوم هربا من ذواتنا هو الحبس الحقيقي. لماذا كان لا بد لكورونا أن تفرض علينا حظراً حتى نهربَ من حبس الخارج ونعود لوطن الداخل، لأنفسنا.
الخطير في الأمر أن كل ما هو كامن، يحركنا سواء شئنا أو أبينا، بوعي أو بدون وعي. ويرسم حياتنا دون أن ندري، كوحش بليد يتحرك بصمت ويقرر ويفعل ما يريد، يسيطر على حياتنا … وهذا، برأيي، هو الحبس الحقيقي أن نكون رهائن المجهول في ذواتنا.
إن ما حدث خلال السنةِ والنصفِ التي انقَضت، لا بدَّ له من أن يجعلنا نُدرِك أنه عندما يشتد الخطب وتنتفي أسباب الأمان، فإن انسجامنا الداخلي هو المُنجد وصاحب الفصل في تخطي أي شديد، حتى المال أحيانا لا يكون الحل وقد تتهاوى الصحة الجسدية فلا يبقى الا حالة القوة الداخلية وأقلُّ درجة من الانسجام تساعدنا على جلاء الأمور لا بصلابة ولا بلين ولكن بحكمة ونفاذ بصيرة. ما يساعد على تخطي كل ذلك، هو الوعي، أعلم أن هذه الكلمة قد ابتُذلت حتى ما عاد لها معنى حقيقي، سواء كان في أوساط المثقفين او المستثقفين أو فيمن هم غير مهتمين بالثقافة أصلاً.
سأبسط الموضوع كثيرا واتركك أيها القارئ الكريم مع الأسئلة التالية التي سألتها لنفسي وقد أبدت لي الكثير:
ما أكثر ما أقلقك في الحظر؟
ما كان أول شيء تتمنى فعله بعد زوال الحظر؟
كيف قضيت وقتك في الحظر، غاضبا، مستسلما، خائفا، مبتهجا، … الخ؟
مع من كنت تتواصل بشكل ضروري ومستمر؟
وأخيرا:
ما الذي تغير في حياتك بعد الحظر؟
حاول أن تتعامل مع الأسئلة السابقة بهدوء وقليل من الاهتمام، ذلك مفتاح لك لتتعرف على نفسك أكثر وتعلم ما نوع الوحش أو الملاك الذي يستوطنك، جرّب.