كورونا لم ينته بعد

 

يتصرف الكثيرون منا وكأن وباء كورونا قد انتهى. فالبعض قد هجر الكمامة، ومنهم من نسي معنى التباعد الاجتماعي. والبعض الآخر قرر ألا يأخذ الجرعة الثانية، ومنهم لم يأخذ حتى الأولى. وآخرون تجاهلوا كل ما يتعلق بإجراءات السلامة العامة بعد انقضاء الموجة الثانية قبل نحو شهر، وقرروا أن ينطلقوا في حياتهم من سفر وغير ذلك، وكأن شيئا لم يكن!
لكن واقع ما يحدث في بعض الدول، وخصوصا قدرة الوباء على التحور من بريطاني إلى برازيلي إلى جنوب أفريقي إلى هندي (وهو أشرس، حسب الخبراء، بنحو 40 بالمائة مما سبقه) إلى ما شاء الله – وهذا في علم الغيب – يحتم على هؤلاء أن يعيدوا التفكير فيما هم فاعلون. فالأسوأ قد يأتي إذا ما تراخينا ومارسنا عدم الاكتراث. ووقتها سينطبق علينا المثل العربي الشعبي الشهير: “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”.
صحيح أن الآمال تتعاظم في الحرب ضد كورونا – مع وصول المطاعيم بكميات وافرة، ومعدلات تطعيم عالية إلى أكثر من 100 ألف يوميا، هذا إضافة إلى أن عدد من أصيبوا فعلا بالمرض قد وصل إلى نحو المليون، ومنهم لم يخبر عن حالته، ما يعزز التوقعات بالوصول إلى مناعة مجتمعية قد تبلغ 70 بالمائة أو أكثر مع نهاية العام – لكن كل هذه الجهود قد تتعرض إلى نكسة في حال دخولنا في موجة جديدة بفعل متحور في طور التشكل، لا يعلم سره حتى اللحظة إلا الله، وقد يكون أكثر ضراوة وفتكا.
لنأخذ مثلا المملكة المتحدة، التي لديها نظام صحي متقدم على مستوى العالم، والتي نجحت في تطعيم أكثر من 40 بالمائة من سكانها بشكل كامل، وأكثر من 60 بالمائة بالجرعة الأولى، وفق تقارير إعلامية، لكنها تتعامل الآن مع ارتفاع جديد بالحالات، وغالبها من المتحور الهندي، المعروف باسم “دلتا”، حتى أن صحيفة الأندبندنت البريطانية تساءلت مؤخرا إذا ما كان الأمر يشكل بداية موجة ثالثة؟ ما يوجب علينا توخي الحذر دوما.
والحذر يعني أن تستمر الدولة في تشديد الرقابة على التزام الناس بإجراءات الوقاية مع استثمار الوقت في تعزيز القدرات الصحية والطبية للمملكة تحسبا لأي طارئ، وأن يستمر المواطن والمقيم، وعلى حد سواء، في تطبيق أعلى معايير السلامة العامة من لبس الكمامة واتباع إجراءات التباعد الاجتماعي والحرص على النظافة الشخصية، والأهم من كل ذلك الإقبال أكثر على حملات التطعيم، ما يعزز مناعة المجتمع ككل.
ليس الهدف من التحذير باستمرار تعزيز القلق والمخاوف لدى الناس، لكن وكما قال الحكماء قديما “من خاف سلم”. وهذا يعني، حسب القاعدة الطبية الشهيرة، “أن درهم وقاية خير من قنطار علاج”.
وعلينا حتما أن نتذكر أن النجاح في الحياة مراحل، وقد نجحنا فيما سبق من مراحل الحرب ضد كورونا، وما علينا الآن إلا أن نحرص على استمرار النجاح، وذلك بالمحافظة على استقرار الوضع وتحسنه تدريجيا حماية للأرواح حتى عودة الحياة إلى طبيعتها، ومن ثم فتح جميع القطاعات، والالتفات إلى تعزيز الأداء الاقتصادي ودفع عجلة النمو. وليكن التركيز هنا على جذب السياحة، وتعزيز المناخ الاستثماري، كأولوية قصوى، ما سيولد أدوات قوية لدى الدولة لمحاربة أكبر مشكلتين لدينا، وهما: البطالة والفقر.

Related Posts

Next Post

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

x  Powerful Protection for WordPress, from Shield Security
This Site Is Protected By
Shield Security