سقف التوقعات: بين الرسمي والشعبي وما يخدم المصلحة

لا يختلف أحد على وحدة الموقف الأردني، رسميا وشعبيا، في إدانة العدوان الإسرائيلي الهمجي ضد الشعب الفلسطيني، وبكل العبارات والأدوات، ومنذ اليوم الأول، سواء في الضفة الغربية أو الداخل الفلسطيني أو في غزة الصمود، وهو الشعب الذي أثبت للعالم أجمع أن نفس الحرية لديه لا يموت، وأنه مدافع شرس عن حقه المشروع في الاستقلال والعيش بكرامة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
لكنه وبالنظر إلى حجم التوقعات، وما يمكن تحقيقه على الأرض من نتائج تخدم الواقع الفلسطيني فعلا، فإن التباين، بين الرسمي والشعبي، هو مصدر قوة، وليس مصدر ضعف كما يرى بعضهم.
فأن يتوحد الشعب وراء القيام بمظاهرات منددة بالعدوان، والمطالبة بطرد السفير الإسرائيلي، وحتى قطع العلاقات مع إسرائيل وغير ذلك لهو دليل على أن شعبنا، وكما هو معروف تاريخيا، هو الأقرب للقضية الفلسطينية وشعبها شعورا بوجعه ومساندة لحقوقه التاريخية المشروعة. وهذا بحد ذاته رسالة إلى كل فلسطين وإلى العالم أجمع على ما يمثله الأردن من عمق إستراتيجي تاريخي مساند للشعب الفلسطيني، ماضيا وحاضرا ومستقبلا. “فكلنا في الهم شرق”.
وبالتوازي، تأتي الجهود الرسمية، والمتمثلة بالاتصالات الدبلوماسية والسياسية للدولة، والتي يمكن رؤيتها بوضوح في المساعي الملكية الحثيثة مع قادة العالم وعواصم صنع القرار لإنهاء العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وبالنشاط القوي والملفت للنظر للخارجية الأردنية، وما تقوم به من متابعة جادة في مختلف القنوات الدبلوماسية والإعلامية، وصولا للتمهيد لانفراجة سياسية للأزمة.
وبين ما هو شعبي وما هو رسمي، فإن ما يخدم الواقع فلسطينيا يتطلب قراءة سياسية حكيمة لما هو ممكن في نهاية المطاف، في ظل الظروف والعوامل المحيطة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تاريخيا، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى الإقليمية والدولية.
فما يحدث الآن من عدوان إسرائيلي أرعن ورد فعل بطولي عليه سينتهي عاجلا أم آجلا، وسيفتح المجال أمام الدبلوماسية لتبدأ عجلة المفاوضات مجددا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا ما يتطلب، أولا، ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي بين مختلف القوى الفلسطينية تفاوضيا، وثانيا، موقفا عربيا موحدا داعما للشعب الفلسطيني دوليا، وفي النهاية تفهما وتحركا عالميا منسقا، ينتهي بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وبوجود إدارة أميركية عقلانية مقارنة بمن كان قبلها، ومؤمنة بحل الدولتين، وهو الأمر الذي تتناغم معه مواقف الكثير من القوى الدولية الفاعلة، ومنها الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، فإن قطار السلام في مختلف المسارات سيتحرك بقوة.
وهذا كله سيصب في النهاية في تشكل مسرح أحداث يكون للأردن فيه دور قيادي قوي يخدم القضية الفلسطينية والمفاوض الفلسطيني أكثر بكثير من مجرد الانجرار وراء مواقف شعبية تنفيسية آنية تنتهي مع نهاية الأزمة.
فالأصل في السياسة أن نقلب التحديات إلى فرص، أو أن نوجدها من العدم. وقد جاءت الفرصة لنقرأ الفاتحة على صفقة القرن المجحفة للرئيس الأميركي الجمهوري السابق دونالد ترامب، ونتهيأ لصفقة قرن يكون عرابها الرئيس الأميركي الديمقراطي الحالي جو بايدن، والتي علينا، أردنيا وفلسطينيا، العمل معه لضمان عدالتها لحقوقنا التاريخية قبل كل شيء.
لننظر إلى تضحيات الشعب الفلسطيني اليوم، وبكل الإجلال، على أنها بوابة لغد أكثر إشراقا للأجيال القادمة للعيش بسلام، وأن نفكر بما هو ممكن ونبني عليه، وأن يكون العقل، أكثر من العاطفة، بوصلتنا التي نهتدي بها. ولنتذكر مقولة أشهر الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية، بنجامين فرانكلين: “لم يكن هناك أبدا حرب جيدة أو سلام سيئ”

Related Posts

Next Post

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

x  Powerful Protection for WordPress, from Shield Security
This Site Is Protected By
Shield Security