خطة إعادة الهيكلة التي أقرتها حكومة البخيت الثانية العام 2011 تعتبر أكبر ضربة للقطاع العام، وجاءت نتائجها فعليا باتجاه تصفية إدارة الدولة من الكفاءات، وحصرها بالعاملين إما تحت مظلة ديوان الخدمة المدنية أو تحت مظلة المحسوبيات والواسطات التي نخرت في عمق إدارة القطاع العام.
خطورة تداعيات خطة القطاع العام ليست فقط في أنها تجاوزت كلفها الحقيقية نصف مليار دينار بعد ان كانت تقديرات الحكومة في ذلك الوقت تؤكد انها لن تتعدى الـ82 مليون دينار، بل تأتي خطورتها في أنها عملت على تهجيج ممنهج للكفاءات البشرية التي كان يحتضنها القطاع العام والتي كانت تعمل وفق عقود تعطيهم حقوقهم مقارنة بخبراتهم وكفاءاتهم، علما أن معظم مخصصاتهم المالية المرتفعة مقارنة مع نظرائهم من العاملين تحت مظلة ديوان الخدمة المدنية كانت من المنح الخارجية والمؤسسات والهيئات الدولية التي كانت تقدم المساعدات للمملكة دون أن يكلف ذلك شيئا الخزينة العامة، إلا أن خطة إعادة الهيكلة أرادت مساواة العاملين في الدولة بنظام الخدمة المدنية، فألغت العقود خارج نطاق الديوان، وعملت بالمقابل على رفع علاوة وملفات باقي الموظفين في القطاع العام على نظام الأعطيات الشاملة من باب تحسين الأحوال، مما دفع الكثير من موظفي العقود الاتجاه إما للعمل بالخارج أو التقاعد المبكر، وبقي لدينا الآن في القطاع العام موظفو الخدمة المدنية ومن تساقط على براشوتات المحسوبيات والواسطات.
الأخطر في ذلك كله أن الخطة أسست لمرحلة من الجمود في تطوير عمل الوزارات والمؤسسات والهيئات بالحد من قدرتهم بشكل كبير من الاستعانة بتعيين خبراء أو أصحاب كفاءات بحجة أن هناك نظام تعيين واحد في الدولة ولا يمكن تجاوزه.
المؤسسة الوحيدة التي تم استثناؤها من مشروع الهيكلة هو البنك المركزيّ الأردنيّ فقط لا غير، وباقي المؤسسات محرومة من هذا الاستثناء تحت نفس الحجج الواهية بأنه لا يمكن أن يكون التعيين خارج نطاق الخدمة المدينة.
مأساة ما يحدث في مؤسسات القطاع وبعض الهيئات المستقلة التي للأسف مجبرة على التعامل في إطار ديوان الخدمة المدنية ولا تستطيع الاستعانة بأي من أصحاب الكفاءات، فصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي الذي تتجاوز موجوداته الـ11 مليار دينار غير قادر على تعيين شخص مالي من أصحاب الخبرات المالية لتطوير نظرة الصندوق الاستثماري أو حتى إعداد دراسات احترازية أو استثمارية التي يحتاجها.
الأمر لا يقتصر على صندوق الضمان، فمؤسسات مالية ورقابية مهمة مثل دوائر ضريبة الدخل والمبيعات والجمارك وديوان المحاسبة وغيرها من المؤسسات التي تحتاج الاستعانة ببيوت خبرة وأصحاب كفاءات لاستدامة تطوير أعمالها وخدمة القطاع الخاص والمواطنين معا.
اللجنة المكلفة من قبل رئيس الوزراء مهمة لتطوير القطاع العام لا يمكن لها ان تضع أية خطط واستراتيجيات تطويرية لعمل القطاع دون تقييم النتائج الكارثية لخطة إعادة هيكلة القطاع العام وإزالة التشوهات الإجرائية بها، والعمل باتجاه تحقيق مرونة في التعاطي الإيجابي مع أهدافها من خلال إجراءات مرنة تسمح بالتمايز والتفاضل بين العاملين وأصحاب الخبرات لا بالمساواة العمياء التي لا تفرق بين الصحيح والسقيم.