التوصيف السائد لخطوة الملك عبدالله الثاني تجاه 16 موقوفا على ذمة التحقيق في قضية الفتنة صحيح ودقيق بمجمله. ببساطة الملك انحاز لقيم التسامح التي طبعت مسيرة الهاشميين، وشكلت نموذجا أردنيا خالصا في التعامل مع من استهدفوا مؤسسة العرش وثوابت الدستور.
لكن وبالنظر لحساسية القضية، يمكن القول إن الخطوة الملكية هذه تكمل خطوة مهمة سبقتها وتمثلت في اعتماد مبدأ المعالجة العائلية التي تولاها الأمير الحسن بن طلال بطلب من الملك وأثمرت عن توقيع الأمير حمزة رسالة يتعهد فيها بالولاء والإخلاص لجلالة الملك وولي العهد ولقيم العائلة الهاشمية.
كان هذا التزاما صادقا من جلالته بما ورد في رسالته للأردنيين بعد تفجر القضية التي أكد فيها” أنه لا فرق بين مسؤوليتي إزاء أسرتي الصغيرة وأسرتي الكبيرة”، وأن”مسؤوليتي الأولى هي خدمة الأردن وحماية أهله ودستوره وقوانينه”.
وأضاف في تلك الرسالة التاريخية عبارة حملت في حينه دلالات لمن يقرأ بعمق، إذ قال جلالته إن” الخطوات القادمة ستكون محكومة بالمعيار الذي يحكم كل قراراتنا: مصلحة الوطن ومصلحة شعبنا العظيم”.
تقدير المصلحة من قبل الملك خلص إلى قرار يقضي بالتعامل مع القضية بمنطق وحكمة تجمع بين المسارين القانوني والتسامح الهاشمي.
بعد أن انتهت الجهات المختصة من تحقيقاتها وأحالت القضية لنيابة أمن الدولة، اتضحت على نحو جلي التفاصيل الكاملة للقضية والمسؤوليات التي يتحملها كل من طالته التحقيقات التي وصفها مصدر في النيابية العامة بأنها معقدة ومتباينة، وهي بالفعل كذلك.
ولنفس الاعتبارات التي حكمت الصفح الملكي كان لا بد من استثناء أبرز متهمين في القضية لاختلاف دورهما عن سائر المتهمين. وقد حدد الملك شخصيا المعايير التي تحكم خطوته بالمتهمين الذين اندفعوا وتم تظليلهم وأخطأوا أو أنجروا وراء هذه الفتنة.
في لقاء أول من أمس جمع رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، مع عدد من الكتاب والإعلاميين الأردنيين، قدم الرئيس عرضا غير مخصص للنشر عن تفاصيل ومجريات القضية من بدايتها.
لقد خيم الصمت على الحاضرين وهم يستمعون لحقائق مريرة ومؤلمة عما كان يجري تحضيره، ودور بعض المتهمين الأساسيين.
وقبل حديث الخصاونة الشامل، كان الملك يؤكد لمن التقاهم من الشخصيات السياسية أنه لو لم تتوقف الفتنة من بدايتها، كان من الممكن أن تأخذ البلد باتجاهات صعبة.
التطورات اللاحقة للقضية وخارج سياقات التحقيق القضائي، كشفت أيضا عن معلومات مثيرة جدا تناقلتها وسائل إعلام عن حملات تجييش إلكترونية حركتها أصابع وعواصم خارجية، عبر عشرات الآلاف من الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، تم رصدها وتحديد مصادرتها، فيما بات يعرف بظاهرة الذباب الإلكتروني، التي لعبت دورا في تأجيج الداخل الأردني.
هل هذا يعني أن هناك دورا خارجيا في القضية؟
هذا ما تشير إليه الدلائل، لكن من المستبعد أن نجد له صدى في أروقة المحاكم.