ملامح ربيع عربي رقمي!

نظرة على الفضاء الرقمي، ووسائل الاتصال الاجتماعي فيه، تدفع للاعتقاد أننا ربما أمام حالة ربيع عربي جديدة بنسختها الرقمية. حرب هاشتاغات، مئات الحسابات الوهمية التحريضية، وسيل من المعلومات المضللة غير الدقيقة، ومحاولات حثيثة لاستمالات سياسية خبيثة… حتى احتفالاتنا برايتنا لم تسلم من محاولات جلد الذات والتحريض.
تزايد التفاعل السياسي على وسائل التواصل الاجتماعي تسببت به أحداث الفتنة الأخيرة، ويجب قراءته بدقة وتأن، وهنا وجب التذكير أن تجاربنا السابقة والتحليل العلمي يقولان إن ما يحدث في الفضاء الرقمي لا يعكس بالضرورة الحقيقة، وهو عادة ما يكون مبالغا فيه أضعافا مضاعفة عن الحجم الحقيقي للواقع، كما أن نظرة شاملة متفحصة، تظهر غياب وجود القوى السياسية المنظمة عن النقاش السياسي على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن غالب ما نراه من نقاش يكون من ناشطين سياسيين أو فوضويون بصفتهم الفردية الذاتية، يحاولون الاستمالة باتجاه ما، أما الغالبية العظمى فهي تسير وسط هذه المعمعة دون إلمام بها، لتفرغ ما عندها من آراء قد لا تكون ناضجة أو اكتملت، تميل حيث تزداد أعداد المتابعين والمعجبين. بالمحصلة، النقاش في جله يفتقد للرأي السياسي السديد أو البناء، الذي يؤسس لطرح أفكار قد تفيد المجتمع وتطوره وتقدمه.
ومع ذلك، فلا يجب التقليل من أهمية ما يحدث على السوشال ميديا، وقد بات ميدانا للتقاذف السياسي، ولنا عبرة في ما حدث من اقتحام للكونغرس في إحدى أعرق الديمقراطيات؛ حيث كان لخطاب التحريض والكراهية في العالم الافتراضي دور أساسي فيه. لا بد لنا من استراتيجية للتعامل مع هذا الشأن الوطني بروح الإصلاح والوعي، وهنا يمكن النظر لخطة بعيدة المدى، وأخرى قصيرة الأمد والتي لها أبعاد تشريعية وسياسية وفنية لا مجال هنا لشرحها، أما على المدى البعيد، فلا بد من خطة لزيادة الوعي بدور وسائل التواصل الاجتماعي، تعيدها لتكون معاول بناء لا هدم وتناحر، ولا بد بالتزامن من مواجهة معركة العبث بالوعي الجمعي للأردنيين.
لنأخذ مثلا النقاش في السوشال ميديا حول الضيق الاقتصادي الذي يمر به الأردن، والحاجة للنهوض بالاقتصاد، لنجد أن ثمة مبالغات كثيرة بتقييم واقع الحال وتسبيبه، بل إن البعض يوظفه لركوب أمواج التأجيج السياسي، وللإعلان أن البلد خراب ودمار وهذا غير صحيح أولا، وثانيا من يقولون بذلك إنما يعيدون اختراع العجلة، لأننا جميعا نعي وندرك وجعنا الاقتصادي، والحق والموضوعية يقولان إننا نعاني اقتصاديا بسبب مواقفنا السياسية ولأننا في طور التحول من الدولة الريعية الى غير الريعية فنحن لم نعد نقوى على الريعية في ضوء تعقد متطلبات المجتمع الاقتصادية والخدمية ونموها. على من يوظفون عوز الناس وضيق الحال الاقتصادي للنيل من المعنويات الوطنية وبث الإحباط وجلد الذات، عليهم أن يقولوا لنا كيف نوائم بين طلبهم لاستمرار دور الدولة الريعية وبين حقائق الاقتصاد والمالية التي لم تعد تقوى على ذلك؟ هذا هو نوع النقاش الذي نحتاج لأن نخوضه بهدوء وعقلانية ووطنية، بعيدا عن التأجيج والتوظيف الذي يستخدمه الشتامون واللعانون والعدميون والفوضويون.

أخبار أخرى