جائحة المياه: هل هي قسوة الطبيعة فقط؟

بالإضافة لجائحة كورونا وآثارها القاسية يبدو اننا مقبلون على جائحه شح المياه هذا الصيف. الأردن من أفقر دول العالم بالمياه إن لم يكن أفقرها. هناك عوامل كثيرة تفسر ذلك من أهمها قلة المصادر المائية وتدني نسبة الهطل المطري وضعف المصادر المائية وهي عوامل طبيعية. الهجرات القسرية للأردن كانت عاملا أساسيا في زيادة الطلب على المياه وتفاقم الأزمة.
هذا العام كان موسم الأمطار شحيحا مما تسبب بنقص حاد في مخزون مياه السدود مما يُنذر بصيف قاس مائيا. كبلد يعاني من الفقر المائي، استطاع الأردن وعلى مدار سنوات من إدارة حصيفة لأزمة المياه بالأردن ولكن النجاح بإدارة الأزمة لم يوازه نجاح في تقديم حلول استراتيجية لأزمة المياه.
لم يستطع الأردن تحصيل حقوقه المائية من الجيران وسمح بالاستخدام الجائر للمياه الجوفية وخاصة من خلال الأنشطة الزراعية الكثيفة دون معرفة حجم المخزون من المياه الجوفية (على الأقل الرقم ليس معلنا) مما يجعلنا أما قنبلة موقوتة أو على الأقل أمام واقع مجهول.
أحد الأسباب التي أعلنتها وزارة المياه لأزمة المياه هي أن نسبة الهدر والفاقد تصل إلى 47 % من المياه المتاحة وهي نسبة مرتفعة جدا. حسب التقديرات أن 60 % من الفاقد هو نتيجة الاعتداءات على الشبكات ومصادر المياه و40 % بسبب تآكل شبكة المياه وقدمها في بعض المناطق ولدى المواطنين أيضا.
نسبة الفاقد من المياه لم تتغير على مدى سنوات طويلة وهو ما يستوجب التوقف عنده. تنطوي هذه المسألة على بعدين الأول قانوني بحث ويعكس التهاون في تطبيق القانون واجتثاث هذه الظاهرة التي تفاقم أزمة خطيرة. أما البعد الثاني، فهو التلكؤ في إصلاح شبكات المياه ولا سيما أن الوزارة على علم بذلك منذ سنين. لا يمكن وصف الحالة الأولى الا بالفساد وغض الطرف عنه يرقى لمستوى الجريمة. أما عدم إصلاح الشبكة فيعكس قصورا بالتخطيط بعيد المدى. بالتأكيد فان تجديد خطوط المياه بالمناطق المعنية مكلف ماليا ولكن يجب ان يكون خيارا إستراتيجيا لحل مشكلة المياه.
إذا أردنا ترجمة هذه المعلومات إلى واقع فهي تعني أنه لولا هذا الحجم من الفاقد في المياه فقد لا نعاني من الأزمة الحالية أو على الأقل ليس بهذه الدرجة من الحدية.
خبراء المياه ومنذ أكثر من 15 سنة ينبهون إلى أن الحل الوحيد لهذه الأزمة هو تحلية مياه البحر كخيار آخر إستراتيجي والذي ارتأت الحكومة أن تلجأ اليه من خلال المشاريع الكبرى القائمة على التعاون الإقليمي كمشروع البحر الأحمر – البحر الميت الذي لم وقد لا يرى النور بسبب الممانعة والتعنت الإسرائيلي. وبعد ذلك تم الحديث عن ناقل البحرين الذي لم يحصل عليه تقدم ايضا.
ليس مفهوما لماذا لا يتم التفكير باللجوء إلى تحلية المياه خارج سياق المشاريع الثنائية. ان الأمن المائي جزء أساس من الأمن الغذائي والأمن الوطني ويجب ان لا يكون قراره مرتبطا بأطراف أخرى. من جانب آخر، فإن تكلفة التحلية قد أصبحت رخيصة ومتاحة ويمكن ترتيبها مع بعض الشركات العالمية على نظام الـ BOT.
الوزارة تدعو الناس للتقشف وتقنين استخدام المياه وهذا ضروري لكن يجب الانتباه للمخاطر الصحية المترتبة على تقليص حصة الفرد من المياه.
لا شك أن للطبيعة وقسوتها دورًا كبيرًا في أزمة المياه ولكن قصور السياسات وغياب التخطيط الاستراتيجي قد يكون السبب الأهم. معالجة الفاقد في المياه لوحده كان كفيلا بتخفيف حدة الأزمة ولكن الحل الإستراتيجي هو تحلية المياه كمشروع وطني ويجب عدم ارتهان القرارات التي تمس الأمن الوطني لأي طرف كان.

أخبار أخرى