كتبت : رانيا لفتا
ماذا ترسُم الأرصفة والاشارات الضوئية بعد؟ وماذا تُخبىء أياديهم الممدودة إلى الفراغ ! أطفالٌ تتجول لتتسول! ظاهرة ليست بجديدة، بل قديمة على نحوٍ يجعلها تكادُ واقع مُعتاد.
ورغم اختلاف التسميات والجدل حول وجود او عدم وجود ظاهرة اطفال الشوارع محليا، الا انه لا ينفي واقعية إنتشارها ايضا حول العالم، في البلاد النامية والثرية، سيما وان الأمم المتحدة اقرت بوجود ما يزيد عن مائة وخمسين مليون طفلِ شوارع في جميع أنحاء العالم.
يوضح مدير مكافحة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية ماهر كلوب،؛ مفهوم اطفال الشارع في الأردن؛ على أنه الطفل الذي ينام في الليل بالشارع ويتخذه مأوى له، نافيا ان يكون في الأردن اي طفل ينام في الشارع!، لكن كلوب يفسر الموضوع بقوله “احنا بالأردن ما عنا اطفال متسولين، ممكن موجودين برا الأردن، ولكن عنا بالأردن اطفال (عاملين) في الشارع”.
ويؤكد كلوب عدم وجود اي نسبة في الأردن لأطفال الشوارع المتسولين؛ ولكن يوجد اطفال تابعين لجهات معينة مثل عائلات الأطفال تعمل على البيع على الاشارات الضوئية في الشارع خصوصا على الاشارات الضوئية لكسب المال السريع.
التقيت باحد الاطفال في منطقة خلدا وكان يبيع اوراق المحارم على الاشارة الضوئية ، ويؤكد انه يقضى وقته كاملا في النهار في الشارع ليعيل أهله ولكنه قال” لو بقي هناك وقت بعد الحظر لبقيت في الشارع”.
وامام احدى البقالات يقف طفل بلباس رثه ووجه شاحب وندب سوداء على وجه، يتسول من الاشخاص الذين يشترون من البقالة، ليتحول بدقائق الى زبون يشتري ما يرغب مثله مثل الاخرين ،لا بل أكثر قليلا.
يشكو صاحب البقالة من تواجده مع اكثر من شخص في فترات طويلة، حتى ان بعض الزبائن يتذمرون منهم.
ويقول احاول طردهم ولكن سرعان ما يعودون لانهم يجدوا في المنطقة مكان رزق بالنسبة لهم.
ويقول طفل اخر ترك المدرسة في مرحلة مبكرة “نحن نترعرع في الشوارع ولا نعرف البيوت ،نحن نفضل أن ابقى بعيدا عن قسوة البيت،فانا اعيش عند زوجة ابي بعد ان ترك ابي امي .”
وفي سؤال حول تعرضهم لمشاكل أو تهديدات في الشوارع ، كانت حالة من الصمت وتردد في الاجابة، لكنه اجاب ان البعض يستغلونهم بالتهديد والضرب والصراخ ، نحن نتوقف في اي مكان احيانا نبيع واحيانا لا نبيع.
وعلى الرغم من أن القانون الأردني يحظر تشغيل من هم تحت 16 عامًا، فإنه وبحسب احصائيات العمل هناك اكثر من 70 الف طفل يعملون في الأردن، منهم 45 ألفًا في مهن خطرة، بحسب الاحصائيات التي وفرها المسح الوطني لعمل الأطفال 2016، وهذه الاحصائية هي الأقل بين مختلف أقاليم العالم التي غطتها قاعدة بيانات عمالة الأطفال لمنظمة اليونيسف للأعوام 2010- 2018.
تعرف اليونيسيف التَابعة للأمم المتحدة أطفال الشوارع بأنهم كل طفل أي كان نوعه ذكر أو انثى ، اتخذ الشارع محل إقامته دون رعاية أو حماية أو إشراف من أي شخص بالغ وراشد، وقد قسمت أطفال الشوارع إلى الأطفال من هُم بدون أسر أو مأوى، أطفال يعملون طوال النهار في الشوارع و يعودون لبيوتهم ليلاً. أو أطفال مع أسرهم ويعيشون بالشارع معهم.
يصنف المرشد النفسي والتربوي عمر الخطاطبة، الأطفال العاملين في الشوارع على أنهم مُجبرين وليس مجرمين، حيث أُجبروا من عائلاتهم على العمل من أجل كسب المال.
أما عن الأثر الإجتماعي الذي ينتج عن إنتشارهم في الشوارع، فيتحدَث الخطاطبة عن الجرائم التي يمكن أن يقوموا بِها التي قد تصل أحيانًا الى القتل. بالإضافة الى إنتشار الأمراض بسبب عدم حصولهم على رعاية صحية كافية.
ويضيف الخطاطبة؛ عن العلاج الأنسب لظاهرة إنتشار الأطفال العاملين في الشارع، أنه من المُهم إيجاد دعم كاف من الحكومة عن طريق توفير الدعم المادي لهم ولعائلاتهم.
ولا يجد الخطاطبة بان الحبس حلا لانهاء الظاهرة حيث أن الحبس سيولد نتيجة سلبية بعد خروجهم من السجن ولن يكونَ رادعًا مناسبًا لتوقف إنتشار الظاهرة.
ويدعو الى إيجاد سياسات سريعة لمعالجة استمرار إنتشارهم قبل استفحال نتائج الظاهرة. والتعاون بين كافة الجمعيات التي تهتم بحماية الأطفال من التعرض للأذى. ودعم دور مؤسسات، ومديريات التنمية الاجتماعية لتوفير كافة الوسائل المساعدة للحد من انتشار ظاهرة الأطفال العاملين في الشوارع.