أسبوع حافل وعام صعب عاشه الأردنيون. ها نحن على وشك البدء بشهر رمضان الفضيل، الذي تعلو فيه مشاعر الفضيلة والإنسانية وحب الخير وعبادة الله. الشهر الفضيل يجب ان يكون فرصة لمراجعة الذات، والتفكير الهادئ الحكيم على المستوى الشخصي والوطني على حد سواء. لا بد لنا من وضع الأمور في نصاب الحق، وان نعلي من قيمة الخطاب العاقل الرشيد، الذي شكل سواده ميزة أردنية على مر التاريخ … خطاب يعزز من تلاحم الناس وتعاضدهم والتفافهم حول الدولة والعلم، بعد ان استباح فضاءهم الافتراضي المضللون والسوداويون، يدفعون الناس لفقدان الامل والشعور بإنعدام الافق، ويفعلون ذلك ليزجوا البعض لفقدان الثقة بمستقبل بلادهم تحت شعارات جوفاء تنظيرية لا تطعم خبزا ولا تبني أوطانا.
كلنا مع الإصلاح والتقدم، نريد أن نرى بلادنا أفضل واقدر، ونسعى لذلك بشتى الطرق، لكن ذلك لا يتحقق عبر التنظير بالكلام الاتهامي غير الدقيق ولا العقلاني، ويا ليت المنظرين يوظفون طاقاتهم ليجترحوا لنا آراء إصلاحية حقيقية، اثق انها ستجد آذانا صاغية، لان الدولة قبل غيرها تريد الإصلاح والتقدم وتنشده. مشكلتنا مع كثير من التنظير الحراكي أو حتى النخبوي، اننا نختلف اساسا مع تقييمهم لواقع الحال الذي يقول ان الدولة على شفى الانهيار لا قدر الله وان الخراب ساد … فهل هذا صحيح؟ لا والله غير صحيح، ومن يقول بذلك ظالم وغير موضوعي. الاردن يواجه تحديات كبيرة جمة، تعمقها ضائقته الاقتصادية وضيق ذات اليد، ولكنه ليس سورية ولا العراق ولا لبنان والقائمة تطول. في الأردن دولة ومؤسسات قادرة وفاعلة رغم ما اعتراها من تراجع، وفيه اقتصاد صمد رغم كل الضربات التي تلقاها، وفيه قطاعات تعمل وتقدم الخدمات وان كانت لم تصل إلى ما نتمناه، ولدينا مساحة حرية ما تزال تتقدم على كثير ممن حولنا وان كانت لا ترقى لمستويات الدول كاملة الديمقراطية في العالم، وعجيب فعلا ان نرى من لا يبصر هذه المساحة، وهو في ذات الوقت يمارسها يوميا، ويوجه كل انواع النقد والذم دون ان يراجعه أو يستهدفه أحد.
التقييم الموضوعي للتحديات هو الخطوة الأولى الاساس التي يجب ان نجتمع عليها حتى نسير على خطى الاصلاح ونعلي من بنائه، اما ان نبقى نكيل الاتهام والتشكيك، ونبث السلبية لتسويق افكارنا، فهذه عدمية لا تبني الاوطان.
تحديد اجندة النقاش الوطني واخذها لمنحى إيجابي يبدو ضرورة وطنية في هذه المرحلة، والمعني بذلك السلطات الرسمية وبالتحديد الحكومة ومن ثم النخب المثقفة. فلنأخذ نقاشنا الوطني في هذا الشهر الفضيل وما بعده الى مساحات إيجابية بناءة، تناقش التحديات بموضوعية بعيدا عن الاتهامية والتشكيك والتضليل، فهذه اللبنة الاولى التي نحتاج لنؤسس لاقتراحات تضع الحلول الحقيقية القابلة للتحقيق بعيدا عن التنظير. نحن قادرون على ذلك، وفيه الكثير من الخير لبلدنا وناسنا.