ارقام لا تعجب المتشائمين

اعتدنا في إطلاق الأوصاف الصعبة على كُلّ عام يأتي على الاقتصاد الوطنيّ، وعادة ما نقول ان هذه السنة هي استثنائية بتحدياتها على المملكة، وهذا الأمر يتكرر كُلّ عام.
بداية لا بد لنا الاعتراف ان الاقتصاد الوطنيّ يعيش في ظل أزمات متتالية، ولم يسبق ان مرت عليه سنة دون وجود أزمة خانقة أو تحديات تلقي عليه ظلالا قاتمة وتهدد استقراره، فهو اقتصاد تكيف مع الأزمات، لا بل انه في بعض الفترات يعيش على الأزمات التي توظف لصالحه، وتنعكس إيجابا عليه من خلال تدفق مزيد من المنح والمساعدات عليه من جهة، وزيادة في النمو المتولد من التدفقات الاستثمارية والسياحية في بعض الفترات.
مشاكل الاقتصاد الوطني معروفة للجميع، وهي تحديات مزمنة، وباتت عناوين رئيسية منذ سنوات طويلة ولا يمكن إنكارها وهي متمثلة أساسا في تراجع الثقة بالحكومة والخطاب الرسمي نتيجة الإخفاق في معالجة تلك المشاكل والتي من أهمها البطالة ( 24.7 % )، العجز الماليّ الإجمالي (2.6 مليار دينار)، مديونية إجمالية تجاوزت الـ(107 %) من الناتج المحلي الإجماليّ، وبقيمة مطلقة تناهز الـ(32 مليار دينار)، وتراجع النمو الاقتصادي ودخوله في مرحلة الانكماش (-1.9 %)، وغيرها عشرات التحديات التي باتت سمة أساسية في الاقتصاد الأردني.
لكن الحديث المطلق بان الاقتصاد الوطني في حالة دمار وتراجع شامل وان البلاد في اتجاهها نحو الانهيار هو أمر عار عن الصحة ويخالف الحقائق الرقمية على أرض الواقع، خاصة في ظل تداعيات كورونا، صحيح ان هناك قطاعات تعطلت كاملة عن العمل وتراجعت إنتاجيتها وأنشطتها مثل القطاع السياحي وفروعه المختلفة وشركات النقل وصالات الأفراح وبعض المطاعم السياحية والمقاهي والأندية الرياضية، لكن هناك عشرات ان لم يكن مئات من القطاعات التي نجحت في مقاومة كورونا وحققت نموا إيجابيا أو حافظت على ادائها المستقر.
أرقام قد لا تعجب المتشائمين أو مروجي الإشاعات الهادمة، فتحصيلات الضريبة في الربع الأول من هذا العام ارتفعت بنسبة 25.4 % مقارنة عما كانت عليه بنفس الفترة من العام الماضي، أي قبل كورونا، وهذا مؤشر إيجابي كبير على حركة النشاط الاقتصادي التي نمت في هذه الفترة، الانطباعات السلبية والتي يتحدث بها الكثير من الأشخاص دون سند أو معلومة حقيقية.
أهمية هذا الرقم تكمن في النمو الحاصل في ضريبة المبيعات بمقدار 159 مليون دينار، وبنسبة نموّ فاقت الـ20 %، وهذه لها علاقة مباشرة بزيادة الاستهلاك والنشاط الاقتصادي.
ضريبة الدخل هي الأخرى فاقت التوقعات بأنها كانت متساوية مع نفس فترتها من العام الماضي دون أن تتأثر بأي تراجعات كما كان متوقعا، حيث بلغت ما قيمته 283 مليون دينار.
لا يمكن تفسير هذا النمو في التحصيل الضريبي إلا انه نتيجة منطقية وطبيعية بان الكثير من القطاعات الاقتصادية تمكنت بنجاح من مواجهة تداعيات كورونا وحققت مزيدا من النمو في أعمالها وانشطتها المختلفة، ناهيك عن أن الحكومة بدأت فعلا بقطف ثمار الإصلاح الحقيقي في دائرة الضريبة التي نستطيع ان نقول بكل حيادية أنها هي الدائرة الوحيدة التي سارت بثبات في الإصلاحات الضريبية من بين مؤسسات الدولة المختلفة، وعالجت الاختلالات من التهرب الضريبي وتوسيع قاعدة المكلفين على اختلاف أنواعهم.
الأمر لا يتعلق بالضريبة فهناك الكثير من المؤشرات الإيجابية التي لا بد من كشفها للرأي العام، فالاحتياطات الأجنبية من العملات الاجنبية بلغت 15.49 مليار دينار حتى نهاية شباط الماضي وهي قادرة على تغطية مستوردات المملكة لمدة تزيد على سبعة شهور، في حين نمت ودائع البنوك بأكثر من 1.4 %، لتبلغ 37.318 مليار دينار، وارتفعت التسهيلات المصرفية لمختلف القطاعات بأكثر من 1.8 %، لتبلغ 29.158 مليار دينار حتى شهر شباط الماضي.
الصادرات الوطنيّة هي الأخرى ورغم كُلّ التحديات وتداعيات كورونا ارتفعت في العام الماضي بنسبة 1 % وهي مؤشر إيجابي كبير على متانة وقوة المصدر الأردني وجودة منتجاته الصناعية التي دخلت أسواق 132 دولة.
المحصلة ان هناك تحديات فرضتها “كورونا”، لكن أيضا هناك فرص ونشاط إيجابي تحقّق فعلاً على أرض الواقع يخالف كُلّ الانطباعات والإشاعات التي تقول إننا نعيش في أسوأ اوضاعنا الاقتصاديّة، فهذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، وقد يكون الجديد في المشهد العام هو اننا بتنا ننقل احاديثنا وإشاعاتنا إلى الفضاء العام بفضل السوشال ميديا وعالم الإعلام الافتراضي

أخبار أخرى