ليس من السهل أن يحصل الأردن على دعم إضافي من صندوق النقد الدولي في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي عصفت بها تداعيات جائحة كورونا وقلبت بالعديد من فرضيات ميزانية العام الماضي الذي دخل بمرحلة انكماش وحقق نمواً سالبا بنسبة 1.9 %.
المراجعة الثانية لبعثة صندوق النقد الدولي التي أفضت بالموافقة على منح الأردن تسهيلات إضافية بقيمة 200 مليون دولار، هي أيضا رسالة إيجابية للمجتمع الدولي والمانحين بضرورة دعم المملكة لتسير بتنفيذ البرنامج التصحيحي وفق ما هو متفق عليه رغم الصعاب والأعباء الاستثنائية التي خلفتها الكورونا.
لا شك ان العامل السياسي وعلاقات الأردن لعبت دوراً في تعزيز دعم المؤسسات الدولية للأردن وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، لكن أيضا لعبت الحكومة دوراً مقنعا للمجتمع الدولي لأنه مصمم على السير بإصلاحات اقتصادية متفق عليها مع الصندوق، حيث تبين من خلال المراجعة الثانية ان المملكة ما تزال تسير بخطى ثابتة في إنجاز ما هو متفق عليه في البرنامج الهيكلي الذي يغطي الفترة (2020-2021)، مع إحراز تقدم قوي في إصلاحات رئيسة من ابرزها الإصلاحات الضريبية التي حققت إنجازات رقمية كبيرة في مكافحة الضريبة وتوسيع قاعدة المكلفين، مما انعكس على نمو غير مسبوق في الواردات الضريبية للخزينة حتى في الجائحة وتداعياتها الاقتصادية على القطاعات المختلفة، وهو ما أثار إعجاب بعثة الصندوق بما تحقق ضريبيا، الأمر الذي دفعهم لتعزيز قصة النجاح الضريبي وتطبيقها على باقي المؤسسات المالية المختلفة وعلى رأسها الجمارك التي من المرجح أنها مقبلة على إصلاح هيكلي جذري في الأسابيع القليلة المقبلة.
المراجعة الثانية، وفرت للحكومة غطاء لدعم مالي وإداري من صندوق النقد الدولي للتصدي لتداعيات كورونا خاصة في الحماية الاجتماعية للشرائح الأكثر تضررا من الكورونا، وهو ما دفع الحكومة الى زيادة إنفاقها على هذا البند وبدعم من الصندوق الذي عادة ما يرفض أي إجراء اقتصادي جديد ما لم يكن له مخصصات في الموازنة، وهو ما جعل الصندوق والحكومة متفقين على ان أولوية السياسات الاقتصادية يجب ان تتعزز في التعامل مع الموجة الحالية الخطيرة من الجائحة والتخفيف من حدة آثارها الإنسانية والاقتصادية.
الأمر ليس مقتصرا على زيادة مخصصات الحماية الاجتماعية من خلال صندوق النقد الدولي، فنجاح المراجعة الثانية وفر إجراءات مدروسة للحكومة في نظرتها للتصدي لتداعيات الجائحة من خلال جعل الأهداف المالية لعام 2021 تسعى إلى دعم التعافي الاقتصادي وفرص العمل، وتوفر حيزا لزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية، مع الحفاظ على قدرة تحمل الدين، والالتزام بتعهدات الأردن المالية الخارجية دون تأخر أو تعثر، خاصة وان المملكة استطاعت العام الماضي رغم كل التحديات والأعباء بسداد كامل التزاماتها المالية الداخلية والخارجية على حد سواء دون أي تأخر.
أهم شيء في اعتقادي خرجت به المراجعة الثانية للصندوق هو رسالتها لمجتمع المانحين الدوليين والدول الصديقة للأردن بضرورة الاستمرار فيها بدعم المملكة وتوفير الاحتياجات المالية التي تمكنها من مواجهة الأعباء المختلفة وصولا لمرحلة التعافي والعودة للنمو الإيجابي من جديد وبكلف تمويل ميسرة، حيث تبقى مساعدات المانحين الخارجيين، بما في ذلك تأمين اللقاحات ودعم أولويات الإصلاحات المختلفة المتفق عليها في البرنامج حاسمة لمساعدة الأردن على الخروج من الجائحة والسير باتجاه المنطقة الآمنة اقتصاديا.
يخطئ من يظن ان الاقتصاد الأردني يقوى على المسير وحده دون المساعدات الخارجية عامة، ودعم صندوق النقد الدولي خاصة، فالمجتمع الدولي لا يمكن ان يقدم أي شكل من أشكال المساعدات أو حتى الإقراض الميسر دون مباركة الصندوق، والذين لا يعجبهم علاقة الأردن بالصندوق، فليقدموا أولا الحلول لتوفير الأموال اللازمة لتمويل نفقات الدولة المختلفة ثم ينتقدوا كما يشاؤون.