غالبية الناس فقدت الحماس لعمل اي شيء والكثير من الناس استسلموا للقدر فلا شيء يحدث كما يتمنى البعض والأمور تسير بتراتبية ومتوالية لا تخضع لمعادلات واضحة او معروفة. العديد من السياسات التي يجري الترويج لها والحديث حولها لا تفضي الى النتائج المرجوة والكل ينتظر حصول المعجزة التي يمكن ان تبعث الأمل من جديد.
البعض يبدي حماسا مفتعلا لإعادة إنتاج إستراتيجيات واهداف قديمة ولوجود اشخاص جدد ببرامج غير مبتكرة. للبعض تبدو الاجراءات غير مختلفة، ومن السهل وعد الناس الذين يخيفهم نقص الأكسجين بالازدهار الاقتصادي.
في بلادنا لا يختلف الخطاب وتشدده اذا وصل عدد الوفيات لأكثر من 110 حالات عن الخطاب الذي كان سائدا يوم كنا بلا اصابات ولا وفيات، فالكثير ممن يظهرون على الشاشات يبدون كمن يقرأ خطابا لم يشارك في صياغته ولا تحليل مضمونه ومحتوياته.
من الواضح للجميع اننا بلا خطة تفصيلية للخروج من المأزق فلا احد يملك التفسير لما آلت اليه الامور ولماذا تقفز الاصابات والوفيات ونسب التفشي الى المستويات التي جعلتنا في مقدمة دول العالم. المواطنون يهيئون انفسهم للتعامل مع ما قد يصيبهم من بلاء بطرقهم الخاصة، ونسب الوفيات التي تحصل في المستشفيات مقلقة ومخيفة. لا توجد بيانات تفصيلية عن الحالة الأردنية واسباب الانتقال من بلد منخفض الخطورة الى شديد الخطورة بالرغم من الصلاحيات التي منحها قانون الدفاع للحكومة واجهزة الدولة.
غالبية الغضب والاحباط والضيق الذي يشعر به الناس غير ناجم عن التعامل مع الأزمة الصحية وحدها بل مرتبط بكل ما قامت وتقوم به المؤسسات التي امتلكت صلاحيات ادارة الشأن العام. الاستثمار والدين والفقر والبطالة والفساد والطاقة وصلاتنا بالجيران وعلاقاتنا الخارجية وانعكاسات الدبلوماسية الاردنية على الاقتصاد مسائل يصعب تجاهل تأثيرها على تفكير وشعور الانسان الاردني الذي ينتظر دوره في النهضة والازدهار.
وسط هذه الدوامة وبعيدا عن قصص وروايات الاعلام وتصريحات الناطقين الرسميين تجد فئة من الناس تحتفظ بحيوتها وحماسها وتصحو كل صباح للقيام بالواجبات والمهام الموكلة اليهم بأمانة واخلاص. بعض المزارعين وعمال الانشاءات والتجار والسواقين والحرفيين استمروا في اداء اعمالهم وأداروا نصف وجوههم عما يقوله الساسة ووزراء الخدمات ممن ما يزالون يجادلون اذا ما كان ارتداء الكمامة مجديا أم لا.
في الأسواق الشعبية هناك من ما يزال ينادي على بضاعته بأعلى صوت وبحماس أخاذ يجبرك على تأمل البائع قبل البضاعة والشراء لكي لا تخيب أمل المنادي الذي اشتط حماسا للمادة التي ينادي عليها بالرغم من انك غير محتاج لاستهلاكها ولا ملكيتها.
في اسواق الخضار هناك من ينادي على الفجل والخيار والبطاطا والليمون فيشيدون في لونها وحجمها ونظافتها وانخفاص اسعارها.
أحد الباعة نادى على الفجل ووصفه بالريان والخيار بأصابع الطفل والبطاطا بنظافتها وسلامة منبتها، في حين حظي الليمون بسمة الحموضة التي لا استخدام أفضل له من إضافتها الى مذاق اطباقنا التي تتزين معظمها به.
في مكان غير بعيد يقف باعة العربايات الذين يحملون عليها كل شيء ويصنعون لحنا يشد المتسوق ويخلق ضوضاء محتملة في الاماكن المكتظة ليجتمع حوله الجميع.
بائع السكريات او الملبس الذي يقف على زاوية السوق وينادي بلحن جذاب وتكرار لا يقوى على الاستمرار به إلا من كان رأسه خاليا من كل الهموم والاعباء والمنغصات..
الرجل الذي لفت انظار رواد السوق الى بضاعته المكدسة على عربتين متجاورتين يحفهما عدد من اليافعين اصبح نقطة الجذب الاولى ومركز اهتمام المتسوقين وهو يردد: “دينارين.. دينارين.. حلو العيد بدينارين.”
لقد سمعت الفيديو المتداول لهذا البائع العبقري وأدركت كم هو واضح ومحدد وجلي وجميل، فقلت لنفسي ليتنا نعرض سياساتنا على الناس كما يعرضها البائع الذي وضع بضاعته وحدد سعرها وقال لنا عن التوقيت والاستخدام لها. لله در باعتنا من أين يأتون بكل هذا الحماس؟!