بعد ما بين جلالة الملك مواطن الخلل الاداري في داخل جسم المؤسسات العامة والخاصة فان العمل بات يستدعي ضرورة استدراك هذا الخلل بالسرعة اللازمة وبما يعود بالفائدة على واقع انجاز هذه المؤسسات ويعزز من مكانة عامل الثقة بالمؤسسات الدستورية العامة منها والاهلية وهو المشروع الاساس والبرنامج القويم الذي من المفترض ان تقوم الحكومة بتنفيذه على ان ياتي ذلك من خلال برنامج عمل موضوعي يسهم بفاعلية بالحد من بعض مظاهر الفساد بشقيه المالي والاداري ويضع حدا لصور سوء الادارة التي تلازم منظومة العمل الادارية في المنظومة الصحية والاعلامية والتعليمية والخدماتية.
برنامج الاصلاح الاداري الذي يستوجب اطلاقه تنفيذا للتوجيه الملكي تنتظر ان يقوم بجراحة عميقة تطال الهيكلية الادارية للمؤسسات وبرنامج العمل فيها وفق استراتيجية عمل تقوم على اعادة انتاج الوصف الوظيفي ليكون مبنيا على سياسة الضوابط والحوافز ويستند على التكنولوجيا المعرفية وبما يشغل محركات التشغيل والانتاجية ويستلهم الطاقات والموارد البشرية ليستفاد منها في تحقيق الانجاز المنشود.
ولما كانت المساءلة والمسؤولية هما صنوان متلازمان لحل اية مسالة ادارية عالقة او متجذرة فان العمل على تكوين منظومة العمل المستندة للتحكم والسيطرة عن طريق سبل التقييم ومفردات التقويم من خلال متابعة تقنية لمنظومة العمل سيره تعتبر من المسائل الضرورية لتحقيق اي انجاز مهما عظم شانه، فاذا ما توفرت عناوين المساءلة والمسؤولية توفر معها الميزان الضابط في رسم معادلة الانجاز التي تتاتى عبر المصداقية والثقة، لذا كانت المساءلة احد اهم اسس الحوكمة الراشدة، وعنوان انجاح المنظومة الادارية في بيت القرار، كما تعتبر المساءلة في ذات السياق العامل الاهم في الحفاظ على الامانة وعنصر الائتمان في بيت المال لياتي هذا كله عبر مناخات الشفافية اللازمة لتعزيز عاملا المصداقية والثقة في بيت القرار في الجانب المالي والاداري.
فالمساءلة تنسجم مع القاعدة الفقهية الادارية التي تقول من أمن العقوبة أساء التصرف في السند و المسؤولية تعني تطبيق القانون في نصابه، وربط المحمول في مكانه في العقد، والا كان حال النظم الادارية والمالية ليس بالحال المطلوب او النموذج المحمود وتزعزعت ثقة العامة بالاحكام وطبيعة الحكم فيها وهذا ما يفسر حديث جلالة الملك في مجلس السياسات، لذا كان تطبيق نظم المساءلة تاكيدا على قيم العدالة، و تعزيزا لنهج الشفافية الذي ياتي من باب نظم المساءلة القانونية والادارية والمالية وحتى الانتاجية، وهي الابواب الرئيسية التي تبنى عليها نظم الحوكمة الراشدة وبما يحقق للإنجاز أركانه القويمة.
واذا كان بيت القرار يتشكل من نظم بنائية ثلاث تقوم على الابواب الاقتصادية والسياسية والادارية فان تمامها تشكله نظم المساءلة التي تعني مكافحة الفساد بشقيه الاداري والمالي، لذلك كان درء المفاسد أولى من جلب المنافع، وكانت الوقاية خير من العلاج، فان التخلص من النتوءات واجب ووقاية منظومة العمل من مغبة الفساد والافساد احد اهم الفرائض التي يقتضيها الحفاظ على سيرورة العمل وتحقيق المنجز الخدماتي او الانتاجي ولعل ذلك ياتي ايضا من باب حرص بيت القرار على احقاق صوت العدالة عبر سيادة القانون واهميته التي تقتضيها مفاهيم نظم الحوكمة الراشدة.
وفي اطار العمل على فتح باب المساءلة، فان الامر يتطلب مأسستها، عبر إيجاد بصمة حكومية كانت الاوراق الملكية قد حملتها في رؤيتها، والتي يشكلها تشكيل الهيئة الاردنية للحوكمة، لتسهم هذه الهيئة في تقييم الصورة العامة وايجاد علاجات ملزمة للمؤسسات وتقوم ايضا على عملية تصميم الاطر الهيكلية والنماذج الوظيفية المنسجمة مع استراتيجية عمل كل مؤسسة من المؤسسات.
وتشكل هذه الهيئة مرجعية تحفظ آليات تصميم القوانين ومتابعة تنفيذ بنود القرار ومراعاة مسالة تحقيقها ياتي هذا كله ضمن الجمل الاستراتيجية اللازمة، وهذا ما ينطبق على القطاع العام كما على القطاع الخاص خصوصا شركات المساهمة العامة، بهدف تعزيز عوامل الثقة والمصداقية والشفافية، لقطاع البورصة والاسهم وللحياة العامة وكما للمناخات الاسثمارية، فان استعادة الاردن لعلامة الثقة ياتي عبر تصحيح المسار الاداري من البدء بتشكيل هيئة الحوكمة لتكون حاضرة مع مسار التصحيح ونماذج الاصلاح.