ليست قضية أمنية هي الوحيدة التي مارس البعض فيها أقسى درجات التضليل الاقتصاديّ الإعلامي، وإطلاق شبهات الفساد عليها، واتهام الحكومات والمسؤولين بأبشع الصفات وأقساها، رغم أنها تشكّل قصص نجاح واضحة للعيان من حيث الأرقام والتحصيلات للخزينة والفوائد التي جناها القطاع والمستهلك معاً.
فالخزينة بعد رخصة المشغل الثالث حصلت على 122 مليون دينار فقط وهي رسوم تجديد رخصة شركة المشغل الثالث، ناهيك عن عوائد الترخيص السنوية التي تبلغ 2.3 مليون دينار، إضافة لمشاركة الحكومة بـ10 بالمائة من إيرادات الشركة سنويّاً، في حين حصلت على 156 مليون دينار و150 مليون دينار تجديد رخصتي المشغل الأول والثاني على التوالي، ناهيك عن الفوائد المباشرة التي جناها المستهلك من حيث انتشار مزيد من الخدمات وتقليل التعرفة عليه لدرجة أنها باتت الأكثر انخفاضاً في المنطقة.
المطار هو الآخر تلقى تضليلا إعلاميا ممنهجا من قبل فئات مختلفة في المجتمع سواء أكان بقصد ام بغير قصد، فحجبت المعلومة الاقتصاديّة الحقيقية عن الرأي العام وأخفت الحقيقة عن هذا المشروع الاستراتيجيّ الذي طالما أطلقت عليه اوصاف غريبة عجيبة تنتقد خصخصته، لا بل وصل الأمر في تداول مقولة بأن الأردن تنازل عن سيادته في المطار لصالح المشغّل الأجنبي.
مشروع المطار هو أحد أكبر مشاريع التخاصية التي جرت في المملكة خلال السنوات العشرين الماضية وقد يكون أهمها من حيث معايير النجاح والنزاهة والشفافيّة المتبعة في الإجراءات كما خلص بذلك تقرير اللجنة الخاصة لتقييم التخاصية التي كان يرأسها رئيس الوزراء السابق الدكتور عمر الرزاز وبعضوية نخبة من المختصين وبيوت الخبرة العالميّة والمحليّة، والتي أشارت بوضوح إلى النجاح الباهر الذي تم للمطار جراء خصخصته، والتي أجزم ان الحكومة لو أرادت تكرار هذه التجربة فإنها لن تتكرر أبداً كما حصلت في المطار.
قبل خصخصة المطار، كان لدينا مطار متهالك بكل نواحيه الفنية والإدارية، ناهيك عن محدودية قدرته الاستيعابيّة، ولم يكن أبداً يشكّل وجهاً حضارياً مشرقاً لأي مسافر قادم أو خارج، وكان يكلف الخزينة ما يقارب الـ18 مليون دينار سنويّاً.
بعد الخصخصة التي تمت وفق نظام الـBOT أي نظام البناء والتشغيل والتملك، تأهلت 6 ائتلافات استثماريّة عالميّة في العطاء الذي طرحته الحكومة بأفضل معايير النزاهة والشفافيّة، وفاز الائتلاف الفرنسيّ.
هذا الائتلاف قام فورا ببناء مطار من أحدث وأجمل المطارات بكلفة أولية تجاوزت الـ600مليون دينار، لترتفع بعد ذلك إلى ما يقارب المليار دينار بعد ان زادت عدد البوابات من 8 إلى 22 بوابة حالياً والاتجاه المستقبلي إلى 26 بوابة.
هذا الائتلاف يملك حق إدارة كافة مرافق المطار والالتزام الكامل بنفقاته المختلفة ولا تتحمّل الخزينة فلسا واحدا تجاه أي مصاريف للمشروع وقت التشغيل خلال فترة العقد التي تمتد إلى 25 عاما مضى منها 13 عاما، لا بل ان الخزينة تشارك في عوائد الإيرادات الكلية بنسبة 54 بالمائة، اي انه بات يدر دخلا للخزينة، وفي العام 2019 تلقت الخزينة من إيرادات المطار الماليّة ما يزيد على الـ230 مليون دينار.
بمعنى ان الأردن من خلال خصخصة المطار بات لديه مطار حديث على اعلى المعايير الدوليّة ولم يكلف ذلك الخزينة فلسا واحداً، ولديه مطار مصنف 29عالميا، ولديه ايرادات سنوية تتجاوز الـ200 مليون دينار سنويا بعد ان كان يكلفه عشرات الملايين، وبعد سنوات قليلة ستعود إدارته التشغيلية للحكومة، فهل تقوى او تستطيع الحكومة بكوادرها تشغيل مثل هذا المشروع الكبير بالشكل الذي يديره الائتلاف الاستثماريّ الحالي؟.
للأسف الشديد نتيجة غياب الثقة بين الحكومة والشّارع، وغياب المعلومة الرسميّة السريعة في وقتها لتوضيح الحقيقة للرأي العام الذي بات اليوم أسيرا للإشاعات والتضليل الإعلامي عن أي منجزات اقتصاديّة، بهدف التشويش وزعزعة الاستقرار .