منذ عام تقريبا والكورونا تسيطر على المشهد العام في البلاد، فلا يوجد حديث سوى الوباء وتداعياته المختلفة، فالخطاب الرسميّ والخاص على حد سواء والفضائيات والقنوات الرسميّة وغيرها والبرامج التلفزيونيّة والإذاعية وأخبار المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعيّ كُلّها جميعا تقع تحت وطأة كورونا، كأن المجتمع متوقف تماماً والكُلّ بانتظار ما ستحدثه كورونا.
هذا الأمر لا يحدث سوى لدينا في الأردن، فإذا ما نظرت إلى إعلام دول الجوار او حتى الإعلام الدوليّ، ستجد ان خبر كورونا وتطوراته وتداعياته يحتل مراتب متوسطة او حتى متأخرة في سلم الأخبار والأحداث الإعلامية، بينما نجده لدينا يتصدر كُلّ مشاهد العمل الإعلامي الرسميّ والخاص بجميع محتوياته ولم نعد نسمع شيئاً عن أي نشاط رسمي
او غير ذلك في الشأن السياسيّ أو الاقتصاديّ أو الاجتماعيّ أو غيرها من الأنشطة والفعاليات التي تحدث فعلاً في المجتمع.
الغريب في الأمر انه عندما تنظر لسلوكيات مسؤولين في القطاعين العام والخاص تجدهم وكأن كورونا وفرت لهم غطاء للاختباء تحته لتغطية تقاعسهم عن أداء مهامهم، فباتوا عاجزين عن القيام بأعمالهم ويسيرون في موجة الوباء، وكأنها فرصة لاحت لبعضهم لتغطي ضعفه وعجزه عن العمل.
الكورونا وباء ويحاول ان يعطل موارد الدولة وإيقاف نموها الطبيعي، لكن يجب ان يكون هناك ممانعة لهذا الوباء، وبث روح الإيجابية في الحياة من خلال العمل الدؤوب وإظهار الإنجازات.
نعم خلق حالة من الانطباعات الإيجابية في المجتمع أولى عمليات الإصلاح الاقتصاديّ المنشود للخروج من حالة الكآبة والاستياء العام الحاصل في المجتمع ليس فقط في الشّارع، وإنما ايضا في خطابات بعض المسؤولين الحاليين والسابقين وغيرهم من شرائح المجتمع الذين لا تسمع لهم سوى التذمر والنقد لِكُلّ شيء.
قد يتساءل البعض وهل هناك ما يظهر بالأفق من إيجابيات لنغير الانطباع العام؟.
نعم هناك الكثير من الإيجابيات التي تعطي بارقة أمل وتغيّر النظرة العامة، فكما هناك قطاعات اقتصاديّة تأثرت من تداعيات كورونا ولحقت بها خسائر فادحة مثل المنشآت والمكاتب السياحيّة والنقل على سبيل المثال لا الحصر، ايضا هناك قطاعات نمت بشكل كبير وحققت زيادة في مبيعاتها وأرباحها وانشطتها المختلفة مثل الصناعات الغذائيّة والكيماوية والبلاستيكية وقطاعات الخدمات والسيارات والإنارة الإلكترونية وغيرها من القطاعات التي خالفت كُلّ التوقعات والانطباعات عن ادائها بأنها تراجعت مثل باقي القطاعات.
من يصدق انه وخلال العام الماضي الذي شهدت فيه كُلّ أنواع الحظر والإغلاقات ليس في الأردن فقط، وإنما في مختلف دول العالم، ورغم كُلّ التحديات الناتجة عن الوباء، تتراجع صادراتنا الوطنيّة بنسبة 1.5 بالمائة فقط عما هو مقدر في سنة 2020، أليس هذا مؤشرا إيجابيا يدل ان هناك من يعمل ليل نهار ويوصل تداعيات الوباء بالعمل والإنجاز والتحدي والنجاح.
حتى القطاع المصرفيّ الذي تحمّل الكثير من تداعيات الأزمة التي ولدتها الجائحة على العديد من القطاعات ما يزال يحقق الأرباح ويكاد لا يوجد في القطاع خاسرون.
حتى التحديات الكبيرة تجاه تلبية نفقات الحكومة المتزايدة، فإن التحصيلات الضريبيّة حققت نمواً كبيرا في أول شهرين من هذا العام بنسبة تفوق الـ8 بالمائة، وهذا الأمر ليس فقط في ضريبة الدخل، وإنما في ضريبة المبيعات التي حققت هي الأخرى نمواً متزايدا في تحصيلاتها، وهذا ناتج عن ارتفاع النشاط الاستهلاكي للمواطنين.
أكيد هناك تحديات كبيرة تعصف بالاقتصاد الوطني، وهذا الأمر ليس بجديد على الأردن الذي طالما عاش الأزمات تلو الأزمات، ولم يمر عليه وقت دون ان تكون هناك أزمات كنا وقتها نصنفها بأنها غير مسبوقة سواء من الناحية السياسيّة او الاقتصاديّة، وفي كُلّ مرة تمر الأزمة وتجتاز المملكة كل الأخطار، فلنتفاءل قليلا ونضع كورونا على جنب، فاستياؤنا ونقمتنا عليها لا تقدم ولا تؤخر في حلها.