في بداية تسعينات القرن المنصرم كانت الاحزاب استعادت شرعية حضورها على الساحة بعد انتهاء مرحلة كانت فيها تعمل بطريقة غير شرعية، وكنا نعمل في حينها في حزب اليقظة برئاسة عبدالرؤوف الروابدة، وكان حزب اليقظة في حينها يزخر بمجموعة من الشاب اللذين لبوا نداء الانخراط في العمل الحزبي، وكان حزب اليقظة في حينها مركز حضوره الشعبي اربد وعمان، وكنا نجتمع مرة في عمان مرة اخرى في اربد، وعندما كنا نذهب الى اربد برفقة عبد السلام الغزوي ومحمد ابوهنية وفيروز مسعود ومحمود الردايدة واحمد الشناق وسميرالعكور كان يستقبلنا هايل الشياب وصبحي الروسان وطلال عواد وفنحي غنايم والمضيف الدائم محمود الشرايرة وكان محمود الشرايرة رحمه الله عندما نلتقي بالاجتماعات غالبا ما يطغى على اجوائها ظله الخفيف وعندما كان الامين العام يقرر بعيدا عن مرمى تطلعاتنا كان يقف ويقول هاي عوجا يا سعد العلي ويتبعها بابتسامة ثم يدعونا للعشاء حتى لا يتدخل من شدة ادبه وعظيم اخلاقه في جدال مع الامين العام، وعندما كنا نجتمع بعمان كنا نردد في اماكن الحضور هذه المقولة، «هاي عوجا يا سعد العلي» طبعا في ذات المواقف التي كنا فيها لا نريد ان نجادل احتراما للمكانة اوتقديرا للموقف الذي نكون فيه اوعليه، واصبح نموذج سعد العلي يتردد لكن ليس بالطريقة التي كانت عليها القصة الحقيقية لسعد العلي البطانية لكن على طريقة محمود الشرايرة الذي ابدع في تقديم نموذج عادات اهل اربد بطريقة فريدة كما تميزت بها انذاك اسرة حزب اليقظة.
وبعد اكثر من ثلاثين سنة متواصلة من العمل الحزبي مازالت الاحزاب تراوح مكانها بل ان روح العمل الجماعي والطوعي اصبح يبحث عن اجر، والذي تغير في المشهد فقط ان اهل غربه كانوا مناوئين للحكومة وشديدي التذمر وهم من يتظاهرون واهل شرقه يقاومون هذا التمدد بطريقة او باخرى اما الان فلقد تبدل الحال واصبح اهل شرقا يتظاهرون واهل غربا اعتادوا على ذات المكانة التي وقفوا عليها، والاحزاب مازالت كما هي تبحث عن مكانة لها من الاعراب ويطالبون من اجل كتابة العبارة التي لم تكتب بعد لكي تعرب.
والحال مازال يراوح مكانه بل وباقل منزلة مما كان عليه على الرغم من انحسار تيار الاخوان وتقوقع حالة اليسار ولم يبق في المشهد السياسي تيار مناوئ وهذا ما كان من المفترض ان يشكل عنوان انطلاق الحياة الحزبية لا سيما وان المعارضة اقتصرت على الحكومة بل واصبحت ترتكز هذه المعارضة على السياسات وعلى الرغم من ذلك لم نحسن التقاط هذا المؤشر، وهذا ما جعل من عناوين المشهد تبدو باهتة وغير مفيدة لا للاردن ولا لنهجه الديموقراطي التعددي والهوية الفرعية فيه مازالت تطغى على الهوية الحزبية والمشهد بقي بذات المشهد وان اختلفت فيه الالوان وتباينت العناوين لكن شكل الاطار العام بقي كما هو، وهذا ما جعلنا نتراجع في هذا المضمار وفي مستوى المؤشرات على صعيد الاصلاح السياسي.
من هنا كانت حركة الاصلاح السياسي بحاجة الى اعادة بناء بالمضمون وليس فقط في الاطار فان لم نؤطر النماذج الحزبية بالطريقة التي من المفترض التاطير عليها ستتشكل نماذج اخرى ولن يكون بمقدورنا الا ان نردد في حينها ما كان يعنونه محمود الشرايرة هاي عوجا يا سعد العلي.