لقاح عربي في مواجهة كورونا

صحيح أن الجامعة العربية، وعلى مدار عقود، قدمت أداء متواضعا لا يرتقي إلى طموح الشعوب العربية في التعامل مع قضايا الأمة، ومحاولة لم شملها حول مواقف سياسية واقتصادية واجتماعية موحدة، تعالج مختلف التحديات التي واجهتها عبر السنين وحتى اليوم. إلا أن لديها في زماننا هذا، وهو زمن الكورونا، فرصة في أن تنجح في إحداث فرق، يسجل لها تاريخيا، عبر إطلاق مبادرة عربية تنتهي بوضع استراتيجية موحدة وخطة تنفيذية لإنتاج مطعوم عربي يقينا شر جائحة كورونا، ما ظهر منها وما خفي، والتي أقلقت مضاجع العالم بأسره، أسوة بكثير من الأمم حولنا. ونحن لا ينقصنا المال ولا العقول لتحقيق ذلك، إن توفرت الإرادة.
فلا يعقل أن تكون الأمة العربية، التي أنجبت علماء ذاع صيتهم عبر التاريخ، والقائمة تطول، غير قادرة على مجاراة الأمم وإنتاج لقاح طبي، خصوصا أن الأمر ليس اختراع صاروخ فضائي موجه عن بعد، ولا قنبلة نووية أو هيدروجينية بالغة التعقيد، بل هو وببساطة إنتاج لقاح نجحت دول عديدة، من الشرق إلى الغرب، في فك أسراره، بعد أن وصلوا إلى قناعة، بالعقل والعلم والمنطق والخبرة، أنه الحل الوحيد لإنقاذ البشرية من شرور فيروس كورونا وتحوراته المستمرة.
وما يزيد من أهمية الأمر استعار حرب اللقاحات مؤخرا على مستوى العالم، حتى وصلت مثلا إلى ضغوطات مارسها مسؤولون في الاتحاد الأوروبي على شركة إنتاج لقاح أسترازينيكا لوقف صادراتها، إن لم تحصل دول الاتحاد على شحناتها أولا وقبل دول العالم الأخرى. وقد دفع كل ذلك وغيره من الأمثلة بمنظمة الصحة العالمية إلى دق ناقوس الخطر، وانتقاد الأمر على أنه أكثر من مجرد فشل أخلاقي متمثل بانعدام المساواة في توزيع اللقاح على شعوب العالم.
وما يزيد من خطورة الأمر، وبالتالي الحاجة فعلا لإنتاج مطعوم عربي، أن العديد من دول العالم بدأت تشهد موجة ثالثة، وقد تكون رابعة وبعدها خامسة، من وباء كورونا، ما سيسهم تلقائيا في تأجج حرب اللقاحات وخروجها عن إطار الإنسانية، من باب “أنا ومن بعدي الطوفان”.
أضف إلى كل ذلك أن غالبية الدعوات لإنتاج اللقاح محليا في العديد من دول العالم، خصوصا النامية والفقيرة، يصطدم إما بعدم جدية الدول الغنية المنتجة للقاح للمساعدة في ذلك وهذه عقلية المنتج، أو بحقوق الملكية الفكرية أو بانعدام المعرفة بالتكنولوجيا المتقدمة، والتي تؤهل الدول لصناعة اللقاح في مختبراتها.
ماذا نفعل إذا؟ هل ننتظر لنشهد الوفيات بالآلاف وبالملايين بسبب كورونا في عالمنا العربي، في حين تتباهى دول العالم بنسب الإنجاز في تطعيم شعوبها؟ أم نتفق على أن نتفق وننتج لقاحا عربيا بإشراف وتنسيق من جامعة الدول العربية؟ لماذا لا نتعلم من الاتحاد الأوروبي مثلا؟!
الأمر، وببساطة، بحاجة إلى قمة عربية، على مستوى وزراء الصحة، لتقديم استراتيجية ترفع إلى قادة الدول، ثم تأسيس لجنة خبراء عربية للبدء بالمشروع، بشراكة بين جميع شركات الأدوية العربية، وبتمويل خالص من الدول العربية القادرة. ووقتها فقط، قد تستعيد الجامعة العربية بريقها الذي خسرته منذ زمن إلى يومنا هذا.
وعلينا، في نهاية المطاف، أن نتذكر أن هزيمة كورونا ليست خاتمة حرب الإنسان ضد الفيروسات، والتي ستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
تجب مواجهة كورونا الآن وقبل فوات الأوان باستراتيجية عربية محكمة. والأهم أن نستعد لفيروس ما بعد كورونا في المستقبل، الذي قد يكون بعيدا، لكنه قد يكون قريبا أيضا.

أخبار أخرى