إذا كان فيروس كورونا لا يُرى بالعينِ المجردةِ، فإنه بمنزلة زلزالٍ مدمرٍ ضربَ الأردنَ من شمالهِ لجنوبهِ، فالأردنُ اليوم هو الأولَ عالمياً في عددِ الإصاباتِ، وأرقامُ يوم الاثنين تُبين إصابةَ حوالي 6 أشخاصٍ ووفاةَ شخصٍ كلَ دقيقةٍ، كما أنَ المستشفيات العامةَ والخاصةَ وصلت إلى وضعٍ قد تعجزُ فيهِ عن استقبالِ المرضى، وقد يموتونَ وهم ينتظرونَ على أبوابِ تلكَ المستشفياتِ، هذه ليست دعوةٌ للفزعِ والجزعِ، بل هي دعوةٌ لهَبَةِ الأردنيينَ لإنقاذ وطنهم، فإنَ الأردن يستغيثُ، نعم الأردنُ يستغيث، وأمامَ الخطرِ الذي يُحدِقُ بالأردن كل الأردن، وبالأردنيين كلِ الأردنيين، بجميع أطيافهم وطبقاتهم، أغنياءَ وفقراء، مسؤولين ومواطنين ومقيمين، فإنه ليسَ أمامنا سوى تأجيل كلِ المعاركِ الأخرى مهما كانت أحقيتها وصحتها، والتركيز في الوقتِ الحاليِ على إنقاذِ الأردن.
لا نملكُ ترفَ الوقتِ لكي ننجزَ إصلاحاً إدارياً في أسبوع، والعفنُ فيهِ قديمٌ حتى ان وصفي التل 1970- يقول في ردهِ على كتابِ التكليفِ ما نصه : «إن من أهمِ أولويات وزارتي وضع حدٍ للميوعةِ والعفنِ في أجهزةِ الدولةِ ..»، فالترهلُ قديمٌ ومتجذرٌ، ويحتاجُ لإصلاحٍ جذريٍ، كما أننا لا نملكُ ترفَ الوقتِ لكي نُنجز الإصلاحَ السياسيَ بين ليلةٍ وضحاها في ظلِ هذه الظروفِ ـ على أهمية البدءِ به ـ وقد أخرتُه الحكوماتُ والأيدي الراجفةُ والعقولُ المغلقةُ ظنًا أنها تحمي الأردنَ، وها نحنُ اليوم نقطفُ خرابَ تعطيلِ وتأخيرِ الحياةِ الحزبيةِ والمواطنةِ الفاعلةِ التي قالت بها أوراقُ جلالةُ الملكِ النقاشيةِ.
الحكوماتُ لها يومها، وكلُ من أخفقَ في واجبهِ سوفَ يُحاسبُ ويجبُ أن يُحاسبَ، ليسَ بهدفِ الانتقامِ فالانتقامُ لا يبني الأوطانَ، بل بهدفِ تكريسِ مبدأ المسؤوليةِ وأنَ السلطةَ بقدرِ المسؤوليةِ، وأنَ الحسابَ والعقابَ سيكونُ بالقانونِ، وسنداً للقانونِ فالشعوبُ تحتاجُ للنظام والقانونِ أوقاتَ الشدةِ أكثرَ منها في أوقاتَ الرخاء، واحتجاجُ الناسِ السلميِ أمرٌ مشروعٌ، وهو ليس ميقاتاً محدداً ولا أشهراً معلومات، ولهذا فإن إصرارَ بعضِهم على الدعوةِ للخروجِ إلى الشارعِ في هذهِ الظروفِ الوبائيةِ الصعبةِ، لا ينمُ عن تقديرٍ حكيمٍ لمصلحةِ الوطنِ والمواطنِ، وحتى الخروجُ السلميُ ممكنٌ أن يكونَ ضمنَ القانونِ مع إجراءاتِ تباعدٍ، وقبلَ ساعاتِ الحظرِ، فإن الأردنَ والأردنيين لا يستحقون قانون «علي وعلى أعدائي».
من جانبٍ آخر فإنَ الوضعَ الاقتصاديَ صعبٌ جدا، وأعتقدُ أن الحكومةَ يجب أن تتحركَ فوراً نحو إجراءاتٍ اقتصاديةٍ غيرَ اعتياديةٍ للتخفيفِ عن الناسِ، وفي هذا الصددِ عليها اتخاذُ ما يلزمُ ـ حتى لو طبعت نقداً ـ لدعمِ عمالِ المياومةِ وموظفي القطاعِ العام، وكذلك عليها اتخاذ إجراءاتٍ عاجلةٍ لدعمِ القطاعِ الخاصِ، ليستمرَ في قدرتهِ على توظيفِ الموظفين، فإن تصفيدَ العمالِ وأصحاب العمل، بموجبِ قوانين الدفاعِ سوفَ يؤدي إلى بطالةٍ قريبةٍ في صفوفِ أصحابِ العمل قبلَ العمال في القطاعِ الخاصِ، وهنا قد تقعُ طامةٌ كبرى، لا قدرةَ لنا على تلقيها ـ لا سمح الله ـ .
صحيحٌ أن هذا الوباءَ ليسَ اختراعاً لحكوماتِ الأردنِ، ولكن كان بالإمكانِ أحسن مما كان على صعيدِ الحكومةِ، وسوف يكون هناك وقتٌ لكي نحاسبَ المقصرَ، أما الآن فإن الوقتَ آزِف لهبةٍ شعبيةٍ، فإن الشعبَ في الملماتِ يتحولُ إلى جيشٍ شعبيٍ ينهضُ للمساعدةِ على إنقاذِ الوطنِ، ولهذا فإني أقترحُ تنفيذ «حركة شعبية لمقاومةِ كورونا»، بأن نعملَ على بدءِ شبكةٍ وطنيةٍ من جميعِ المنضمين لهذا التحركِ الشعبيِ، بحيث يعملُ كلُ شخصٍ ينضمُ لهذه الشبكة، على التواصلِ مع عشرةٍ أشخاص، ويتواصلُ كلٌ منهم مع عشرةٍ آخرين، وهكذا من أجلِ بناءِ شبكةٍ شعبيةٍ لمقاومةِ المرضِ بحيث يعملُ كل متطوعٍ في الشبكةِ على :
– المساعدةِ على تطعيمِ عشرةِ أشخاصٍ خلالَ أُسبوعٍ، بما في ذلك تشجيعُ التسجيل على منصة تطعيم كوفيد 19، وخاصةً في الأطرافِ وليس العاصمة فقط.
– العملِ على نشرِ ثقافةِ الكمامةِ / والتباعدِ وعملِ كلِ أفراد الشبكة كشرطيٍ بسلاحِ الحسنى لحثِ المواطنين على استخدامِ الكمامةِ والتباعدِ، وإعادةِ تأكيدِ إجراءاتِ النظافةِ وغسلِ الأيدي.
هذه «الحركةُ الشعبيةُ» لا مركزيةٌ، كلُ شخصٍ هو صاحبها ومُطلقها، ويستطيعُ أيُ مواطنٍ في أي بقعةٍ في الأردنِ تبنيها والبناءِ عليها، أما من الناحيةِ الإعلاميةِ، فأعتقدُ أنهُ حانَ الوقتُ لوقفِ برامجِ محطاتِ التلفزةِ والإذاعةِ المعتادةِ، والانتقالِ لمتابعةِ زلزالِ الفيروسِ، فقد وصلنا أيها السادة لمرحلةِ الأناشيدِ الوطنيةِ والقرآنِ الكريمِ، الأردنُ يستغيثُ، الأردنُ يستغيثُ أيها السادة، فهل من مجيب؟ أرجو أن تسمعني جنابك!!