تصدر سنويا تقارير تقييمية حول أحوال الديمقراطية في دول العالم. بعض هذه التقارير سياسي منحاز أو غير مهني ولا موضوعي، وبعضها على درجة عالية من المصداقية تستخدم أرقاما في الأبحاث العلمية الجادة والدقيقة. الأردن كباقي الدول، كان له تصنيف ودرجة ديمقراطية شغلت المتابعين والمهتمين، غير أن النقاش كان مبتورا ناقصا على طريقة “لا تقربوا الصلاة”، دون أن تكون هناك قراءة شاملة زمنيا وموضوعيا لتقارير الديمقراطية الخاصة بالأردن.
تصنيف الايكونومست للديمقراطية حظي بالانتباه الأكبر، فقد صنف الأردن دولة “سلطوية” أي لا ديمقراطية، وهذه نصف الحقيقة وليس كاملها. الجزء الغائب عن هذه المعلومة أن 13 دولة فقط من كافة دول العالم، بحسب تصنيف الايكونومست، صنفت على انها “كاملة الديمقراطية”، وبقية دول العالم صنفت على انها متعثرة أو سلطوية، بمعنى ان العالم بأسره بحسب هذا التصنيف قد تراجع ديمقراطيا بما في ذلك ديمقراطيات ناجزة انتقلت لتصنف انها متعثرة سلطوية. وفي كل الأحوال، فتصنيف الايكونومست لا يعتد به علميا، وهو ليس على درجة عالية من المصداقية الأكاديمية البحثية. القصة ذاتها وان بشكل آخر تقال عن تصنيف بيت الحرية، وهو ذو مصداقية علمية كبيرة مقارنة بغيره يستخدمه الباحثون والأكاديميون. بيت الحرية يصنف الأردن دولة “شبه حرة” في معايير الحقوق السياسية، و”غير حرة” بمعايير الحريات المدنية، وبأخذ متوسط لركني التصنيف في هذه المؤسسة المرموقة، يكون الأردن دولة “شبه حرة” أو في مرحلة “التحول للديمقراطية”. هذا هو حال الأردن الديمقراطي الموضوعي منذ العام 1989 باستثناء العام 1993 الذي صنف فيه الأردن على انه دولة حرة، وعدد محدود من السنوات في تلك الفترة التي صنف فيها انه دولة غير حرة.
الدمقرطة الأردنية، ورغم مراوحتها بمرحلة “التحول للديمقراطية”، حافظت على تميزها وتقدمها النسبي في الاقليم كدولة إصلاحية (كما الكويت والمغرب وتونس) فيها مساحة محترمة من الديمقراطية وان كانت غير ناجزة. هذا من أهم أسباب تفسير بقاء الأردن في مرحلة التحول للديمقراطية لفترة طويلة: انه يعيش في اقليم، ومحاط بدول، اولا غير ديمقراطية بل شمولية دكتاتورية، وثانيا تستخدم أي انفتاح سياسي للتدخل بشؤون غيرها وزعزعة الاستقرار. نحن نعيش في الشرق الأوسط يا سادة وجيران الأردن ليسوا النمسا وسويسرا وبلجيكيا، والانفتاح السياسي والديمقراطي قصة ذات ابعاد اقليمية معقدة ترتبط بالأمن والاستقرار. اما الأسباب المحلية لمراوحتنا في مرحلة التحول للديمقراطية، فهي أولا، ضعف قيم التعددية والديمقراطية ولا أقول انعدامها، وثانيا، عدم قيام التيار السياسي الأكبر والأكثر تنظيما بدوره الديمقراطي واحداث التطور المطلوب على خطابه قولا وفعلا، وثالثا، سواد ثقافة الشعبوية الخطيرة على الديمقراطية والمجتمع تجعل من التحول الديمقراطي بالفعل قفزة للمجهول.
سيمضي الأردن ويصبح ديمقراطية ناجزة، إن عاجلا أم آجلا، هذه حتمية سياسية وطموحنا جميعا، ولا يوجد ما يحدد لنا المدة الزمنية التي تحتاجها الدول لاكمال المسير نحو الديمقراطية الكاملة، لكننا نعلم ان ثقافة الشعبوية وغياب التعددية، وقصور وبطء التطور الديمقراطي لتيار الاسلام السياسي الأردني، والحالة الاقليمية اللاديمقراطية، كلها أسباب تفسر حالة الأردن الديمقراطية التي لم ترتق لمستوى الطموح بعد.