العيوب التي كشفتها كورونا

 

مأساة مستشفى السلط ما هي إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، وكشفت عيوب الجهاز الإداري في الدولة، وما آلت إليه الأمور من تراجع وهبوط في كافة المستويات الإداريّة في القطاع العام الذي كان على مدى سنين خلت مضربا للأمثال والتنافسيّة والإنتاجيّة بين دول المنطقة.
فاجعة السلط ليست مؤشراً على تراجع الخدمات الصحية فقط، وإنّما هي دليل واضح على أننا في الأردن وتحديداً في القطاع العام نتذوق اليوم سياسات التعيينات العشوائية وانتشار المحسوبيّة والواسطة والتي ملأت الجهاز الإداري للدولة بعشرات الآلاف من الموظفين الذين تسللوا للخدمة العامة دون وجود أي مقومات تؤهلهم لذلك.
للأسف الشديد حالة الترهل التي أصابت القطاع العام ليست فقط موجودة في القطاع الصحيّ وإنّما امتدت لعشرات الوزارات والمؤسسات الرسميّة التي امتلأت بأضعاف احتياجاتها من الموظفين المتسللين إليها بواسطة ضغوطات قوى نافذة اتخذت من الواسطة والمحسوبيّة منهجاً لها في التعامل مع الدولة.
الأكثر ألماً ليس في شكل التعيينات التي هي عبارة عن تنفيعات، وإنّما هو غياب المحاسبة والتقييم على الموظف في القطاع العام الذي بات محصناً من أي آليات مساءلة له، فبتنا في الأردن قادرين على إقالة رئيس وزراء ووزير بجرة قلم، بينما هناك عجز كامل عن تسريح موظف “هامل” ألحق الأذى بسمعة وزارته.
لا يمكن ان يكون هناك إصلاح إداري في الدولة دون ان تكون هناك صلاحيات رقابيّة وعقابية للعاملين في جسم الدولة الرسميّ ونزع الحصانة عنهم، ويكون ذلك بإصلاحات تشريعيّة حقيقيّة تُعيد الهيبة للخدمة العامة، وتعطي عمليات التقييم حصتها الإصلاحية الكاملة لتكون معايير الاختيار والتعيين مستندة إلى مبدأ الكفاءة والمقدرة والولاء للعمل العام.
القطاع العام بحاجة إلى “نفضة” إصلاحية تبدأ أولاً بإيقاف التدخلات في التعيينات في جهاز الدولة من القوى المتنفذة على مختلف مستوياتها سواءً من قبل المسؤولين العاملين، أو السابقين، أو النوّاب، أو غيرهم من الجماعات الضاغطة والتي للأسف تسببت بتشويه القطاع العام.
غياب التدريب والتأهيل لموظفي القطاع العام بعد التعيين هو أيضاً من العيوب القاتلة التي ألحقت اكبر ضرر في سمعة القطاع العام وجعلته مرتعا فقط للمتسللين إليه عن طريق الواسطات، علما ان الإدارة العامة الأردنيّة كانت مثلا يحتذى به في التأهيل والإنجاز ورفع كفاءة العاملين والموظفين لديها.
الكُلّ يعرف جيداً مواطن الضعف في القطاع العام، والأمر لا يحتاج إلى التحليل العميق لمعرفة العلاج، كل ما في الأمر يحتاج إلى إرادة حقيقية في الإصلاح واتخاذ القرار الشجاع في تفعيل عمليات المحاسبة والتقييم، واختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، مستندين إلى معايير الخبرة والكفاءة والإنجاز، وإيقاف التدخلات العشوائية نهائياً في جهاز الدولة من أي جهات كانت، وتفعيل مبدأ سيادة القانون ليكون مظلة للجميع في التعاملات.
كورونا ذلك الوباء اللعين الذي عطّل موارد الدولة وفتك بالكثير من أفراد المجتمع، قدم لراسم وصانع السياسة خريطة واضحة بعيوب الجهاز العام وأظهرها للعلن، فهل تستغل الحكومة ذلك وتبدأ فعلاً بالإصلاح؟

أخبار أخرى