كتبت اية الجعفري:
لم تقف تأثيرات كورونا عند النواحي الصحية فقط، وانما امتدت الى قطاعات حيوية تمس حياة المزارع الذي أصبح يواجه أزمة حقيقية وظروفا معيشية صعبة، يحدوه الامل لتجاوز هذه المحنة والتسامي فوق ظروفه الحياتية العصيبة .
اينما اتجهت تسمع انين المتضررين من واقع الحال، ففي الاسواق المركزية ، وأينما اتجهت تسمع الشكوى … فالمزارع يشكو وصاحب سيارة النقل وأصحاب مخازن الصناديق ومكاتب الإرشاد الزراعي وشركات البذور والأسمدة والمبيدات كلها تشكو واقع الحال.
وفي الاثناء يواجه المواطن صعوبات الحصول على لقمة العيش بعد أن خسر دخله خلال الجائحة ، فواجه مشكلة ارتفاع الاسعار وخاصة الخضار والفواكة، فيما يتساءل عن التحديات التي ساهمت في رفع تلك الأسعار بدون اي مبرر.
ونحن بدورنا تلمسنا هموم هؤلاء وعايشناها على ارض الواقع ، وكان لنا هذا التحقيق الميداني .. فأين تكمن نقطة البداية والنهاية لهذه المعضلة، وما مصدرها ؟ وما هو الحل؟
السوق المركزية ..الغموض في الاجابة
اختلفت إجابات المزارعين والبائعين والسماسرة في السوق المركزية عن الجهة التي تقوم برفع أسعار الخضار والفواكه رغم وفرة العرض؟، فمنهم من ارجعها الى جائحة كورونا، ومنهم من عزاها الى قانون العرض والطلب، إلا أن غالبية المستجوبين اعتبروا أن ارتفاع الأسعار تحدده كمية المنتج وحجم الكميات، أي أنه في حال وجود كميات كبيرة من الخضار والفواكه، يكون السعر منخفضا ومناسبا للجميع، وعندما يتم طرح كميات قليلة من تلك المنتجات، تكون اسعارها مرتفعة، بمعنى أن السعر محكوم بقانون العرض والطلب، اذا زاد العرض قلت الاسعار، واذا قلت الكميات ارتفعت الأسعار .
مزارعون: سماسرة من جنسيات عربية يتحكمون بالاسعار
ويؤكد مزارعون ان المزارع هو الخاسر الوحيد ولا علاقة له بتحديد الأسعار لا رفعا ولا هبوطا، والكلمة الاولى والاخيرة هي للسماسرة،، موضحين ان الطقس يلعب دورا في تذبذب الاسعار ايضا ، فالارتفاع الشديد لدرجات الحرارة على المحاصيل في الغور ساهمت في تدمير المواسم وإصابته بشكل مباشر، عندما كانت الأزهار في مراحل التطور، ما عرض المزارعين لخسائر فادحة.
ويقول مزارع فضل عدم ذكر اسمه ، إن أحد الأسباب الأخرى التي تتحكم في ارتفاع الأسعار وجود سماسرة وتجار من جنسيات عربية داخل السوق، هم من يتحكمون في حركة السوق واسعار المنتجات الزراعية في السوق المركزي، ويعمدون الى رفع أسعار المنتجات الزراعية خاصة في اوقات فرض الحظر.
ويؤكد على ذلك المزارع سامي الخالد، بان السماسرة هم من يتحكمون بسعر الخضار ، وأن المزارع ليس له دور في تسعير المنتجات الزراعية، لافتا الى وجود مجموعة من السماسرة الذين يشكلون عصبة داخل السوق المركزي ويتحكمون بالأسعار، حيث يحضر المزارع خضرته الى السوق واذا اعجبتهم منتجاته، يشكلون حوله حلقة لا يستطيع احد أن يقترب منها، وهم يفرضون سعر بيعها دون أن يستطيع احد أن يتدخل في تسعيرها، هذا هو واقع السوق والية التسعير فيه.
ويرى أحد المزارعين أن المشكلة تكمن في الاسواق المركزية حيث يتم التلاعب في الأسعار، مبينا أن المزرعة !التي يعمل فيها والمكونة من ثلاث وحدات زراعية وفيها حوالي 100 بيت بلاستيك مهددة بالافلاس
ويقول المزارع حسن بن علي ، كنت أحمل الخيار من المزرعة بسعر ربع دينار للكيلوغرام، وقبل الحظر يطلب صاحب المزرعة 70 قرشا، مشيرا الى انه ذهب الى مزرعة ثانية وكان الوقت صباحا وسال صاحبها عن السعر؟ فقال بـ 70 قرسا للكيلو غرام كحد ادنى ، مع أن سعر الخيار في ذلك اليوم وصل الى دينار للكيلوغرام الواحد في السوق المركزي.
ويؤكد ان التجار يفرضون أسعار المنتجات ويعمموها على “جروب ” المزارعين وبالتالي التحكم بالأسعار.
ولا يخفي المزارع يحيى ابو ديان، أن انتشار وباء كورونا أثر سلبا وبشكل كبير على القطاع الزراعي، حيث أن الكثيرين من المزارعين فقدوا أعمالهم، بعد ان تكبدوا خسائر فادحة.
ويشكو المزارعون بحسب ( ابو ديان) من الخسائر التي حلت بهم، بعد أن عمت كورونا في البلاد، مبينا ان هذه الجائحة أثرت على القطاع الزراعي بشكل كبير،وتزايدت المشكلات بشكل لا حصر له.
لكنه يعود الى بداية تفاقم مشكلة المزارعين ومعاناتهم منذ سنة ٢٠١٣ تقريباً، عندما اغلقت الحدود مع سوريا،” ومنذ ذلك الوقت ونحن نعيش اوضاعا سيئة جداً”، بحسب قوله.
ويلفت (ابو ديان )الى ان مدخلات الإنتاج اسعارها عالية، فيما أسعار الانتاج الزراعي متدنية جدا، الامر الذي ترتب عليه الكثير من الضرر على جميع المزارعين خاصة وللقطاع الزراعي عامة “.
خدام : القطاع الزراعي وصل الى أسوأ مرحله في تاريخه .
ويؤكد رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن، عدنان خدام، إن القطاع الزراعي وصل إلى أسوأ مرحلة في تاريخه، وبات مزارعون يفكرون جدياً بهجرة أراضيهم بسبب الخسائر الكبيرة التي تعرضوا لها، خاصة خلال العام الحالي، وذلك لعدة أسباب أهمها أزمة كورونا ، وما نتج عنها من إغلاقات لأسواق تصديرية مهمة، وانخفاض الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة لا تغطي كلفة الانتاج..
وتقدر خسائر المزارعين خلال الثمانية أشهر من العام الحالي بعشرات الملايين من الدولارات،وفقا لخدام ،الذي يتوقع أن ترتفع الاسعار كثيرا بسبب الأضرار التي لحقت بالمزروعات والنباتات الناتجة عن جائحة كورونا ،وتعرض مزارعين الى خسائر كبيرة ضاعفت من معاناتهم ومعاناة أسراهم.
وبحسب بيانات إحصائية رسمية، تقدر مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي حوالي 4% ويوفر آلاف فرص العمل، وخاصة للوافدين، نظرا لعزوف الأردنيين عن العمل في بعض القطاعات من بينها الزراعة.
“حماية المستهلك” تحذر ..
ويحذر رئيس جمعية حماية المستهلك،الدكتور محمد عبيدات، من استمرار تدهور القطاع الزراعي الذي يعتبر شريان الأمن الغذائي في أي بلد، إذ إن القطاع الزراعي يلعب دورا مهما في تعزيز أمن الأردن الغذائي، فهناك اكتفاء ذاتي في عدد من السلع الزراعية، خاصة بعض أصناف الخضار والفواكه، وانتاجها متوفر في غالبية أشهر السنة .
ويرى الدكتور عبيدات أن تفكير عدد كبير من المزارعين بهجرة الزراعة ينطوي على مخاطر كبيرة على الاقتصاد الأردني بشكل عام .
ويقول المزارع هاني قشطة ان ارتفاع المنتج الزراعي له عدة اسباب منها اولا عرض كميات قليلة ما يرفع الطلب عليها فيزيد سعرها، وثانيا جودة المنتج، وثالثا انتهاء موسم المنتج او بدايته واحيانا الحالة الجوية سواء اكانت صيفا في ارتفاع درجات الحرارة، أو شتاء بسبب العواصف والامطار الرعدية والصقيع.
ويقول المهندس الزراعي عبدالرؤوف غنايم ان موضوع الاسعار يحتاج الى اهتمام اعلامي، حيث ان اسعار المنتجات من الخضار تكون متدنية جدا ولا نستطيع توفير اجور العمال ولا تسديد اثمان مدخلات الانتاج كالسماد والمبيدات الزراعية، فمثلا كيلوغرام الخيار نبيعه في المزرعة بثمانية قروش او عشرة او 12 قرشا ويبيعه التجار الى المستهلك بأضعاف ثمنه .
التجار الصغار ارباحهم ضئيلة “والدلال” بالسوق المركزي يأخذ حصة كبيرة من الارباح .
ويروي احد بائعي التجزئة (المفرق) ويمتلك محلا تجاريا صغيرا، ان تجار السوق المركزي يتحكمون بالأسعار، مشيرا الى ان احد التجار طلب ثمنا لصندوق الكيوي الذي يزن 9 كيلوغرامات 14 دينارا، بمعنى ان ثمن الكيلو الواحد دينار ونصف الدينار، فيما كان تاجر آخر يبيع الصندوق بسعر 9 دنانير.
ويقول ان تجار السوق المركزي يرفعون أسعار الخضار كل يوم خميس وذلك قبل يوم الجمعة ، وهو يوم حظر كما يعلم الجميع، ونحن كأصحاب محلات مفرق لا يبقى لنا اي هامش للربح، ويحرمون زبائننا من توفير الخضار لهم بأسعار معقولة خاصة للأسر المحدودة الدخل في ظل جائحة كورونا .
ويؤكد أحد التجار ، أن الذي يرفع اسعار المنتجات الزراعية خاصة عشية يوم الحظر هم السماسرة أو الدلال في السوق المركزي وهم يتحكمون في كل شيء في سوق اربد المركزي.
المتضرر الاكبر في العملية هو المواطن ،الذي يرى ان التجار ان التجار يستغلون ايام الحظر ويقومون برفع الاسعار.
ويقول مزارعون الى ان من اسباب ارتفاع الاسعار ايضا هو انتقال العروة الزراعية من منطقة إلى أخرى.
ويؤكد المواطن احمد صبحي أن “طمع تجار الجملة والمفرق وجشعهم، يجعلهم يزيدون الاسعار على المواطن”، مبينا ان الاسعار يتم رفعها من دون حسيب او رقيب ، في ظل انعدام الرقابة الرسمية على الاسعار وانفلاتها .
الزراعة لا تتدخل بالأسعار و”الصناعة” عندما تجد ارتفاع الاسعار غير مبرر .
وزارة الزراعة التي تعتبر الجهة المعنية بهذا القطاع الحيوي ، ترى بحسب مصدر مسؤول من الوزارة ، أن سبب ارتفاع اسعار الخضار والفواكه يعود الى اقبال المواطنين الكبير على الشراء، لتأمين احتياجاتهم عشية بدء الحظر،مبينة أنه يتم توريد ما بين 5 الى 7 الاف طن من الخضار والفواكه يوميا الى الاسواق المركزية .
وتؤكد أنها غير مسؤولة عن تسعير المنتجات الزراعية بل هي منوطة بوزارة الصناعة والتجارة والتموين .
مستشار وزير الصناعة والتجارة ينال برماوي ،يقول ان الوزارة تراقب اسعار السلع وخاصة الاساسية منها، وتدخل في الامر عندما تجد ان ارتفاع الاسعار غير مبرر،وتقوم بتحديد سقوف سعرية لها ، الى جانب ان الاسعار يحكمها العرض والطلب،حيث ترتفع الاسعار اذا كانت الكميات المطروحة اقل من الطلب واحيانا ترتفع بسبب وجود فجوة بين المواسم الزراعية .
الإنتاج والتصنيع الزراعي
ظهرت طرقٌا جديدة للتعامل مع الانتاج الزراعي ، الا وهي تصنيع المنتجات الزراعية، فبدلاً من اتلاف كميات الخضار والفواكة في ظل زيادة الانتاج فانه يتم تصنيعها ، وهذا ما تقوم به شركة الدرة العالمية للمنتجات الغذائية التي تقع بمدينة الحسن الصناعية – الرمثا بدأت بإنتاج القمرالدين ودبس التمر ودبس العنب المجفف التي كانت كلها تصنع يدوياً حتى ١٩٧٩ حيث بدأت الشركة بتقديم منتجات مختلفة لتلبية السوق المحلية حتى أن الحكومة الأردنية تؤكد على أهمية القطاع الزراعي والعمل على النهوض به من خلال التوجه للتصنيع الغذائي .
التصنيع الغذائي طريق لنجاح السوق المحلي .
ويوضح المزارع نواش العايد أن التصنيع الزراعي يعد أحد أهم الركائز الأساسية بالإستشمار في القطاع الزراعي ، إذ يحد من المخاطر التي تواجه أي مزارع أو مستثمر خاصة فيما يتعلق بقضية فائض الإنتاج وتلف المحاصيل ، مشدداً على ضرورة البدء فعلياً بوضع خطط وحلول للتوجه نحو اعتماد التصنيع الزراعي لإستعاب فائض الإنتاج الزراعي .
ويقول رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان الخدام” لقد طال انتظارنا لمثل هذا التوجه الحكومي،” رائيا ان التصنيع الزراعي هو البديل الأمثل لإنقاذ القطاع الزراعي الذي مايزال يعاني منذ ثمانية اعوام شريطة ان يتم ترجمة هذه الرؤى على ارض الواقع والا تبقى رهينة الأدراج.
ويشير الخدام، إلى ان ما يتمتع به القطاع الزراعي الأردني من مزايا تنافسية تتعلق بالقدرة على انتاج محاصيل طوال العام وفي اوقات يندر فيها الإنتاج في الدول المجاورة، وارتفاع انتاجية الأراضي وجودة المحاصيل، اضافة إلى الفرص التسويقية والتصديرية المتاحة لمثل هذه المنتجات يجعل من التصنيع الزراعي والاستثمار فيه فكرة ناجحة، موضحا ان ايجاد مصانع زراعية تحويلية سيقلل من مشاكل التسويق بشكل كبير وسيدفع بالمزارعين إلى التوجه لزراعة محاصيل اخرى غير تقليدية او التنويع فيها.
واوضح ان التصنيع الغذائي يعتبر من الصناعات التحويلية التي تقوم على الخامات الزراعية، لإنتاج الأغذية والمشروبات والتي يمكن الاستفادة منها في وادي الأردن، كتعليب الخضراوات كالفاصوليا والباميا والفول وصناعة العصائر والمركزات من الحمضيات، وإنتاج عصير ورب البندورة وصناعة المخللات والمتبلات من الباذنجان والخيار والفلفل والجزر واللفت والشمندر وصناعة التوابل من الفلفل بانواعه والبطاطا ، إلى ان التصنيع الزراعي يلعب دورا مهما في تقليل الفاقد الزراعي ويعطي قيمة مضافة للسلع، اضافة إلى توفير فرص عمل لأبناء الاغوار، عدا عن مساهمتها في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير العملة الصعبة.
من جانبه يرى مدير زراعة وادي الأردن المهندس بكر البلاونة، ان التوجه للتصنيع الزراعي يعد احد اهم الحلول لمعالجة الاختناقات التسويقية، التي تنتج عن تراكم الإنتاج في فترات معينة، خاصة تلك الاصناف كالخضراوات، التي اذا لم تسوق خلال فترة قصيرة فستتعرض للتلف، مشيرا إلى ان هذه الاصناف اذا ما تم تصنيعها فيمكن تخزينها لفترات طويلة.
ويرى ان توجه الحكومة للاهتمام بالقطاع الزراعي والتصنيع الزراعي سيشجع الكثير من صغار المزارعين الذين هجروا اراضيهم بسبب الخسائر المتراكمة خلال المواسم الماضية، لافتا إلى ان هذا التوجه سيعود على المزارعين بالنفع اذ سيضمن على الاقل البيع بأسعار تفوق الكلفة ما سيحد من الخسائر التي يتعرض لها المزارعون كل عام.