فاجعة نقص الأكسجين في مستشفى السلط، لن تقتصر آثارها على من فقدوا حياتهم جراء الاهمال الوظيفي من قبل المسؤولين. الحكومة أيضا تعرضت للاختناق، وستعاني أعراضا ستؤثر في قدرتها على أداء وظيفتها، وصعوبات في التنفس وهي تواجه سباقا طويلا وصعبا مع تحديات اقتصادية وصحية فرضتها جائحة كورونا.
لقد ظهرت علامات الانهاك بوضوح على الفريق الوزاري بعد أن عانى أسوأ أربع وعشرين ساعة في حياته، كان فيها مصيره على المحك.
ما وقع في مستشفى السلط كان حادثا مأساويا دون شك، وفي ظل حالة التوتر الوطني العام المصاحبة لأزمة كورونا، تحول الحدث إلى قضية وطنية عامة، تركت أصداء واسعة في جميع المحافظات.
الغضبة الملكية، التي ترجمت بالزيارة العاصفة والمفاجئة لجلالة الملك لمستشفى السلط، رفعت تصنيف الأزمة إلى أعلى مستوى، وما تبعها من إجراءات ميدانية عاجلة، تركت الحكومة في عزلة لساعات.
بعد بدء النيابة العامة تحقيقها بساعتين، أمر جلالة الملك بتشكيل لجنة عسكرية لمتابعة ملف المستشفى، وفي الأثناء كانت طواقم القوات المسلحة تتحرك لتجهيز مستشفيين ميدانيين في السلط والكرك. واللافت أيضا أن وزير الداخلية، العسكري الذي غادر قبل أيام غرفة إدارة الأزمة في المركز الوطني للأزمات، هو من تولى إدارة وزارة الصحة بالوكالة.
عمليا أوكل جلالة الملك ملف المستشفى والقطاع الصحي بمجمله للقوات المسلحة، في إشارة لا تقبل التأويل لافتقاد الثقة التامة بقدرة الجهاز المدني للحكومة على إدارة الأزمة والتعامل معها.
نحن الآن أمام خيارين لا ثالث لهما. الحكومة في وضع صعب جدا أمام الشارع، وقبل ذلك أمام جلالة الملك. الثقة اهتزت بشكل فادح. رئيس الوزراء الذكي والفطن، أدرك ذلك على الفور، ولم يخف مشاعره هذه وهو يتحدث للأردنيين مساء أول من أمس. كان مثقلا بالهم والخيبة من حجم التقصير غير المبرر، وهو ما دفعه لإعلان تحمل المسؤولية كاملة عما جرى دون تردد.
الخيار الأول، أن تصل الحكومة إلى قناعة بأنها وبعد ما حصل من تداعيات غير قادرة على تحمل مسؤولياتها، فيأخذ الرئيس زمام المبادرة ويتقدم باستقالة حكومته لجلالة الملك.
وثمة حسابات كثيرة قد لا تجعل هذا الخيار متاحا في الوقت الراهن، وبالمحصلة الأمر بيد جلالة الملك، صاحب الحق الدستوري في إقالة الحكومة.
الخيار الثاني، أن تتصدى الحكومة بشجاعة للأزمة وتستعيد زمام المبادرة التي فقدتها يوم الحادثة، وتشرع في اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة لمعالجة الأزمة، وإجراء مراجعة شاملة لملف إدارة أزمة كورونا من كل جوانبه، والعمل بشكل مواز على خطط إصلاح جذرية للإدارة تستجيب لقول الرئيس بالحاجة لثورة إدارية في منظومة القطاع العام.
هذا الخيار إذا ما كان متاحا للحكومة، فهو المسار الوحيد الذي يمكنها من استعادة ثقة الملك، والرأي العام وإعادة ترتيب علاقاتها مع السلطة التشريعية.
ويتطلب التصدي لهذه المهمة، معالجة فورية لأعراض انقطاع الاوكسجين الذي أصاب الفريق الوزاري، واستنهاض الهمم لمغادرة مربع الصدمة والانكسار.
المهمة ليست سهلة، فحجم الضرر كبير على صورة الحكومة ومكانتها.