على مقربة من خمسة أشهر على تشكيل حكومته، أجرى الدكتور بشر الخصاونة تعديلاً يمكن وصفه بالتعديل الثاني إذا ما اعتبرنا أن الرئيس اضطر بعد استقالة وزير الداخلية الجنرال توفيق الحلالمة لإجراء تعديل أول سريع حل بموجبه الوزير سمير المبيضين وزيراً للداخلية.
من حيث المبدأ، لم يكن مفاجئاً ولا سراً أن الخصاونة ينوي إجراء تعديل على حكومته، وقد أشار لذلك غير مرة أثناء حديثه مع الكتل النيابية قبيل مناقشة الثقة بحكومته بأنه سيعمد لتقييم أداء فريقه وسيتخلص من الحمولة الزائدة، ولكن يبدو أن تسارع الأحداث بشكل دراماتيكي وإقالة وزير الداخلية ووزير العدل سرع من ذلك.
من يقرأ تجربة الحكومات في الأردن عبر مائة عام من قيام الدولة لن يفاجأ بالتعديلات الوزارية المتكررة ويتفهمها وربما يبررها؛ هذا طقس فلكلوري وجزء من ميكانزم الحياة السياسية التي ننتقدها بشدة ولكننا ننتظرها بلهفة فضولية.
الاشتباك المباشر بين الرئيس ووزراء حكومته يعطيه مساحة لمعرفة نقاط القوة والضعف لدى الوزراء، وبالتالي وهو المعني بنجاح حكومته وتنفيذ برنامجها، سيقرر من يستمر ومن يغادر بناء على معايير وأدوات قياس المفترض أن تكون موجودة حتى لو لم تكن معلنة، ناهيك عن أن الناس يملون من بعض الوجوه ويرغبون بالتغيير، ولكن المؤكد أن الرئيس يدرك أن أي رسائل يفشل التعديل في إيصالها ستحسم من رصيده لا من رصيد من سيخرج أو يبقى.
معظم الرؤساء يسعون لإطالة عمر حكومتهم من خلال التعديلات فيعمدون لاختيار شخصيات يعتقد أنها ستشكل إضافة نوعية وتحظى بالقبول الاجتماعي وتعزز التوازنات التي تحكم المجتمع الأردني، خاصة تلك التي تتعلق بقصة المكونات والجغرافيا وهي بالمناسبة ليست مستنكرة ويجب أن تستمر شريطة أن يكون المعيار هو الكفاءة والإيمان بالدولة ومشروعها.
ربما يكون من المبكر الحكم على القيمة المضافة التي سيشكلها انضمام وزراء سابقين في التعديل الأخير، إضافة لدخول وزيرين جديدين هما العميد مازن الفراية وزيرا للداخلية والمهندس صخر دودين وزيرا للدولة لشؤون الإعلام، ذلك ما سيجيب عنه المستقبل ونتمنى بطبيعة الحال أن تكون إضافة إيجابية، ولكن الحكم أولا وأخيراً على الأداء الفعلي الذي يلمسه الناس وليس للمحبين أو الكارهين من الطبقة السياسية والإعلامية.
لم تتأخر ردود الفعل على التعديل الوزاري، والمؤكد أن الرئيس ومكتبه يتابعان ذلك ويقيمان ويأخذان في الحسبان أن جزءا لا بأس به ينطلق من الحسابات المعروفة التي قد يوجهها أي رئيس، وأخاله يدرك أن ثمة خصوما ومنافسين يسعون لوضع العصي في دواليب حكومته، ولكن أيضاً هناك من يقدم قراءة عاقلة ورصينة وناصحة يجب ألا تفهم في إطار المناكفة السياسية، بل الأصل أن تأخذ في الحسبان من أجل ألا تكون الكلفة كبيرة مستقبلاً عليه شخصياً.
تجنب الرئيس المساس بالوزراء المعنيين بالملفات الأساسية، وهم وزير الصحة ووزراء الفريق الاقتصادي وتجنب تقليص وزراء الدولة باستثناء مغادرة نائب الرئيس للشؤون الاقتصادية وانتقال وزير الدولة للشؤون القانونية لوزارة العدل وحلول وزير الدولة محمود الخرابشة مكانة خاصة بعد ما تردد عن غياب التجانس بينه وبين وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء.
لوحظ أيضاً تجنب الرئيس دمج العديد من الوزارات المتشابهة كالشباب والثقافة والصحة والبيئة والزراعة والمياه والمالية والتخطيط، بينما اكتفى بإلحاق التربية والتعليم بالتعليم العالي، وهما من أكثر الملفات الحكومية تعقيداً ولكن يبدو أن لدى الرئيس قراءة مختلفة.
بعيداً عن كل ما سيكتب وما سيقال عن هذه الحكومة والتعديل، تبقى الأولوية الملحة هي التعامل مع التحدي الأكبر وهو وباء كورونا، وهو معيار الحكم المركزي على نجاح الحكومة من عدمه، ونتمنى أن تعبره بنجاح.