جدوى سياسات الإغلاق في مواجهة وباء كورونا

تحتل فكرة الإغلاقات، بمختلف أشكالها لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد بتحويراته المتنوعة، مساحة كبيرة من نقاشات صناع السياسات العامة والمتأثرين بها في مختلف أنحاء العالم.
لا يوجد دولة في العالم لم تستخدم سياسات الإغلاق بطريقة أو أخرى خلال النصف الأول من العام 2020؛ حيث كانت المعلومات المتوفرة عن هذا الفيروس ومكافحته محدودة للغاية، فسارعت مختلف الدول للحد من مخالطة الناس بعضهم بعضا.
بعد مرور أكثر من عام على تطبيق سياسات متنوعة لمكافحة تفشي الفيروس، بدأت سياسات الإغلاق تخضع للتقييم، وغالبية نتائج عمليات التقييم تذهب باتجاه عدم جدوى تطبيق هذه السياسات، وخاصة في المؤسسات الحيوية مثل المؤسسات التعليمية، والأنشطة الاقتصادية ذات الأهمية الكبيرة في حياة الناس وتشغيلهم.
على المستويين الحقوقي والأخلاقي، لا يجادل أحد في أن حياة الناس وصحتهم تقفان على رأس الأولويات، إلا أن التساؤل الأكثر أهمية يتمحور حول ما إذا كانت الإغلاقات تحد من انتشار الوباء بشكل فعال، مقابل أساليب وأدوات أخرى أقل كلفة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
ومن بين أهم الاستنتاجات التي يصرح بها العديد من خبراء الوبائيات والمتخصصين في علوم الميكروبات بشكل عام والفيروسات بشكل خاص، أن التجربة أثبتت عدم جدوى الإغلاقات، وأن استخدامها بشكل مؤقت يمكن تبريره فقط في الحالات التي ترغب فيها الحكومات بتأجيل تفشي الوباء الى حين تطوير النظم الصحية لتمكينها من التعامل مع الواقع الصحي الجديد.
قطاع واسع من الخبراء والمتخصصين في هذا المجال يدعون الى أن تطوير وتطبيق سياسات للسيطرة على الوباء، ومنع الوباء من السيطرة على حياة الناس، هو الذي يتم من خلال الإمعان في سياسات تطبيق الإغلاقات الكلية أو الجزئية.
الأمر الذي يعني تطبيق سياسات وقائية وحمائية للتقليل من اختلاط الناس مع بعضهم بعضا، وتمكينهم من العيش بصورة طبيعية، دون تعطيل مصالحهم الاقتصادية، والإضرار بسبل كسب عيشهم.
منهجيات “التعايش مع الوباء” في الأردن تبرز بشكل واضح عند الحديث عن ملف التعليم؛ إذ إن النظام التعليمي شبه معطل منذ عام، ونتائج التقييم الأولية التي تسربت بعد عودة طلبة الصفوف الثلاثة الأولى قبل أسابيع قليلة تشير الى تراجع كبير في مستويات الطلبة التعليمية، والمعطيات المرئية تؤشر الى أن أحوال طلبة المراحل الأساسية الأخرى والثانوية ليست أفضل حالا.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن النتائج التي نجمت عن أسابيع الإغلاق شبه الشاملة التي تم تطبيقها منذ منتصف آذار وحتى حزيران من العام الماضي، وما تزال مطبقة على العديد من الأنشطة الاقتصادية، تركت آثارا عميقة جدا على المستويات المعيشية لمئات آلاف الأسر في الأردن، خاصة وأن سياسات الاستجابة الاقتصادية والحمائية الحكومية لا تتواءم مع حدة وعمق هذه التأثيرات.
على من يصنع القرار، أن يدرك أن العالم راكم خبرات وتجارب متعددة للحد من انتشار الوباء غير الإغلاقات، وهنالك العديد من الأساليب التي تتطلب إدارة وجهودا حكومية إضافية لتطبيقها، وعدم التسليم بخيارات الفرق الصحية الحكومية التي تدفع باتجاه تطبيق سياسات الإغلاق متعددة المستوى، بسبب عدم قدرتها على مواجهة الوباء بشكل فعال، وضعف قدرتها على الحصول على اللقاحات الكافية لمحتاجيها في الأردن.
آن الأوان أن تستمع الحكومة وشركاؤها في صناعة القرارات المتعلقة بمواجهة الوباء لمختلف أصحاب المصالح والمعنيين بأوضاعنا القائمة، بحيث نتجاوز هذه المرحلة الصعبة بأقل الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية.

أخبار أخرى